الانتفاضة
“ذلك أننا لا نريد مغربا بسرعتين: أغنياء يستفيدون من ثمار النمو، ويزدادون غنى وفقراء خارج مسار التنمية، ويزدادون فقرا وحرمانا”، فقرة من خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى 61 لثورة الملك والشعب، من ضمن أخرى وتعليمات حكيمة ورشيدة، ما فتئ جلالته يشدد من خلالها على ضرورة صون كرامة المواطن المغرب، وحماية حقه في العيش الكريم..
وفي الوقت الذي تعمل القيادة العليا للبلاد، على حماية حقوق المواطن وصونها وتشدد على ذلك، فإن السياسات الحكومية، المتسمة بالارتجالية والعشوائية، تصب في واد آخر، وتجعل آخر همومها، المواطن المغربي البسيط، بل إنها تنعدم لديها الرؤية المتوسطة والبعيدة المدى، ولا تنظر إلا عند قدميها..
وأفرز قرار وزارتي الداخلية والصحة بالمغرب، بإغلاق حدود مجموعة من المدن، ومنع السفر من وإليها، في ظرفية غير مناسبة وزمن قياسي، العديد من ردود الفعل، صبت جميعها في كون القرار يحوي بين طياته، شططا في استعمال السلطة، وارتجالية وارتباك، يدعم عدم الثقة التي تولدت لدى المواطنين تجاه حكومة مفككة مكوانتها، ويدفع بتهديد الأمن والسلم الاجتماعيين بالبلاد..
الحكومة، أو من هم متحكمون في قرارتها، باتخاد إجراء في ظرف وزمان معيينن، يكونوا أفسدوا فرحة المغاربة بحلول عيد الأضحى، الذي تشكل طقوسه الاحتفالية وظروفها خاصية متفردة لدى فئات كثيرة من المجتمع، بل أنها تعد الفرصة الوحيدة لديها لصلة الوصل مع العائلة والحلول بمسقط الرأس..
من اتخدوا القرار، وضعوا الحكومة في تناقض مع نفسها، فلا هي ساهمت في الرواج الاقتصادي، ونمو السياحة الداخلية، ولا هي فرضت حجرا صحيا صارما، ربما يربحها الوقت ويسهم في تقليص عدد الإصابات بفيروس أصبح الكل يود معرفة حقائقه الكاملة وصحة المعلومات المرتبطة به..
الوزارتان، وحتى لا نلقي باللائمة على حكومة، الكل يعرف أنها عاجزة عن البث في مثل هذه قرارات، باتخادهما قرارهما العشوائي والارتجالي، ساهمتا في إزهاق أرواح، وإرسال أخرى للمستعجلات، ربما يفوق عددها، تلك التي أزهقتها “كورونا” منذ بداية ظهورها بالمغرب..
عشوائية القرار، ساهم في حالة فوضى واحتقان وكسر نفس العديد من الأسر، وهي التي كانت تمني النفس وتنتظر نبراس ضوء، للانعتاق من صغط نفسي رهيب فرضه حلول وباء “كوفيد-19” كضيف غير مرغوب فيه، ألزم الكل بحجر منزلي، سجن المبير والصغير، وأوقف عجلة الاقتصاد وإفلاس العديد من المواطنين..
اتخاد قرار بهذه السرعة والعشوائية، سيف ذو حدين سيكون الخاسر الأكبر فيه هي الطبقة المتوسطة التي توالت عليها الضربات منذ سنوات، وقد يفتح المجال للمضاربة في أثمنة الأضاحي أو يضربها في مقتل حال عزوف المغاربة عن إقامة شعيرة العيد، والصعوبات التي يتنظر أن تواجه الكسابة في إيصال الأضاحي إلى الأسواق، أو تسليم تلك التي تم بيعها منذ مدة لأصحابها..
أصحاب القرار، مضوا في الارتجالية والعشوائية وعدم الوفاء بالعهود، فمنذ قرار الرفع التدريجي للحجر الصحي، وتصنيف المغرب لمنطقتين، وإقرارهم بتجديد هذا التصنيف أسبوعيا حسب معطيات الحالة الوبائية لكل جهة أو إقليم من المملكة، ثم الدعوة لتشجيع السياحة الداخلية، والمساهمة في عودة عجلة الاقتصاد الوطني، وبعدها الاقرار بعدم السفر إلا للضرورة، وقرار فتح أسواق بيع الماشية ومعه منع إقامة صلاة العيد (كلاهما يجمع الآلاف من المواطنين)، وترك قطاعات اقتصادية في مواجهة المجهول (السياحة، منظمي الأعراس والحفلات، الصناعة التقليدية وأصناف تجارية…)، كلها قرارت جعلت المواطن المغلوب على أمره يدخل في حيص بيص، وضغط نفسي وسيكولوجي، الله وحده يعلم عواقبه على المجتمع المغربي.
التعليقات مغلقة.