قد يعجز اللسان عن وصف بعض المظاهر المجتمعية ، خاصة حين يتعلق الأمر بسلوكات جانحة ، وتصرفات طائشة بأبواب المؤسسات التعليمية من طرف غرباء عن المؤسسة او من لدن التلاميذ أنفسهم.
إن واقعة حمل السلاح الأبيض وحيازته بدون ترخيص وبدون الأغراض المتاحة، وإشهاره والافتخار بامتلاكه، داخل المؤسسات التعليمية أو بمحيطها، سواء في إطار المزاح الطفولي ، أو بدافع التباهي وحب الظهور بين الأقران، أو لأغراض عدوانية، يعرض حامله إلى العقوبات الحبسية و الغرامات المالية، كما يؤكد بالملموس الحاجة الملحة لتحسيس المراهقين وتوعيتهم بالترسانة القانونية الزجرية والعقوبات المنصوص عليها للحد من ظاهرة حمل السلاح الأبيض خاصة في الفصل 303 مكرر ، و الفصل 400 من مجموعة القانون الجنائي، الذي يصدر عقوبات حبسية نافذة في حق المرتكبين لهذه الجنحة.
إن حمل السلاح من طرف تلاميذ المؤسسات التعليمية يؤكد بالملموس الجهل بالقوانين، ويحيل على سؤال وجيه ظل يتردد على ألسنة أهل الفكر والسياسة والدين والطب وعلم الاجتماع، في كثير من الملتقيات الوطنية والدولية، دون ان يتوصلوا إلى المفتاح الذي يمكنهم من الوصفة العلاجية، و التلقيح الناجع للقطع مع حيازة السلاح الأبيض بغض النظر عن استعماله في الضرب أو الجرح، علما أن حمل السلاح الأبيض لأي سبب من الأسباب، يشجع على استعماله، وبالتالي فقد تكفي طعنة واحدة ليجد نفسه وراء قضبان السجون أو على أسرّة المستشفيات أو، لا قدر الله، والقتل والدماء وفقدان الأرواح..
كانت المؤسسات التعليمية في منأى عن مثل هذه السلوكات الخارجة عن المألوف، وكان سلاح التلميذ القلم والكتاب وحب المعرفة، إلا أننا اليوم، أمام سرطان ينتشر داخل أوساط التلاميذ، ويغرس فيهم الروح العنف والأفكار المضللة مما يقلق راحة المجتمع، ويهدد السلم الاجتماعي ، ويمس القيم الدينية والأخلاقية التي كنا نفتخر بها كمجتمعات إسلامية تقتدي بالأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي ترسم للمسلم خريطة الطريق في حسن المعاملة والسلوك، وحسن المعاشرة والتكافل الاجتماعي …
أين يكمن الخلل؟ هل في المنظومة التربوية، ام المقاربة الأمنية ،أم يرجع الخلل إلى تخلي الأسرة عن دورها، والمؤسسات الدينية عن فاعليتها، و السجون عن مهامها في الإدماج وإعادة التربية.. أم يتجسد المشكل في الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تولد عنها الفقر والحرمان والطلاق والفراغ الروحي، ام إلى الانفتاح المجتمعي على مجموعة من القنوات العالمية والتأثر بما تقدمه من مظاهر العنف ، و التطرف، والإرهاب…
و الملاحظ، أن حمل السيوف و السكاكين كبيرة الحجم، لا تستخدم دائما في الاعتداءات وترهيب المواطنين، كما انه ليس كل من يحمل سلاحا فهو مجرم، أو يحمله بنية الاعتداء على الغير، ففي الدار البيضاء مثلا، اتفق بعض الشباب على صناعة فيلم قصير، وبدلا من أن يفكروا في تقديم منتوج سينمائي هادف، استهوتهم مشاهد العنف والدماء والعصابات الإجرامية، فمثلوا الأدوار التي توحي باعتراض سبيل أحد المارة، والإعتداء عليه بالسيوف، ثم انتقلوا إلى مقطع يوحي بدفن ” الضحية ” حيا داخل قناة صرف صحي، وهي تمثلات لا أساس لها من الصحة على أرض الواقع، وبالتالي فالجهل بالقانون قاد المجموعة إلى العدالة لتقول فيهم كلمتها.
نفس الأمر، ستشهده مدينة مراكش ،حيث ظهر بعض الأشخاص في فيديو منشور على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وبحوزتهم أسلحة بيضاء، وضمن هؤلاء قاصرين يتظاهرون بارتكاب جرائم عنيفة في حق الأشخاص و الممتلكات ، وطبيعي ان يثير المشهد حفيظة كل من شاهد الفيديو، ويدفع مصالح ولاية أمن مراكش إلى التفاعل بسرعة وجدية كبيرين، وبذلك تمكنت من تحديد هوية ثلاثة أشخاص من بينهم قاصران، وقد تم إخضاع المشتبه فيهم الموقوفين للبحث القضائي الذي تجريه المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمراكش تحت إشراف النيابة العامة المختصة.
قد يسدل الستار عن هذه الواقعة باعتقال كل من تورط في حمل السلاح، ولكن سيظل السؤال السابق المتعلق بمكمن الخلل مطروحا ، وما السبيل للقطع مع هذه السلوكات التي تزرع الخوف في المجتمع، وتشوه صورته على مستوى العالمي والسياحي على الخصوص ، علما أن المقاربة الأمنية وحدها لن تستطيع حل الإشكالية في غياب باقي المؤسسات المعنية بالتربية الأخلاقية والدينية والاقتصادية والاجتماعية.