بداية لا يسعني إلا أن أتقدم بجزيل الشكر إلى السيد نور الدين مفتاح ، وإلى أعضاء الفيدرالية المغربية لناشري الصحف ، على الدعوة الكريمة لحضور فعاليات هذه الجلسة الافتتاحية ، والمشاركة في الندوة الفكرية التي اخترتم لها موضوع : ” بين حوار وصدام الحضارات : هل يتحول إذكاء النزاعات إلى أصل تجاري لوسائل الاعلام ” وهي فرصة سانحة لأرحب بكم جميعا في جهة فاس مكناس ، مشاركين وأساتذة محاضرين متمنيا لكم النجاح والتوفيق . إن عقد هذه الندوة الفكرية ، وبهذا الموضوع ، في رحاب مدينة فاس العالمة ، له أهمية خاصة ، ة ، باعتبارها من حمة ، العاصمة الروحية والثقافية للمملكة المغربية ، ومن جمة ثانية ، فقد ظلت مدينة فاس على مر السنين ، أرضاً للحوار ورمزا للتسامح والتعايش ، واشاعة القيم الروحية .
ويشكل موضوع حوار وصدام الحضارات ، من المواضيع التي أفاضت الكثير من الحبر ، وتلاقحت فيها أقلام وأفكار المفكرين والباحثين من مختلف بقاع المعمور ، ومن مختلف المشارب العلمية والأيديولوجية ، وبالموازاة مع ذلك ، فهو من المواضيع المتجددة التي نعايشها بشكل يومي ، فإن لم يكن ضمن مقترب الدراسة والتحليل ، فعن طريق التعايش ، بين مجموعات بشرية من جنسيات مختلفة ، بل ومن ديانات مختلفة ، ومن ثقافات وإيديولوجية متمايزة ؛ تعيش وتتعايش في مكان واحد .
وقد أصبح هذا التمظهر ، النمط السائد في عالم اليوم ، عالم يغلب عليه التنوع ، وينشد التكامل ، عالم تسمو فيه قيم التعاون والتضامن والتسامح ، بعيدا عن اعتبارات الهوية والثقافة والمعتقد . ونظرا ، لأهمية هذا التوجه ، فقد حظي باهتمام كبير من الدول والمؤسسات والهيئات الدولية ، حيث تم تأسيس تحالف الحضارات عام 2007 م ، وهو يعمل تحار بالتعاون مع الدول والمنظمات والهيئات الدولية والإقليمية ، ومؤسسات المجتمع المدني ، وقطاع الأعمال ، على حشد الجهود الموحدة بهدف تعزيز العلاقات الثقافية المشتركة بين الأمم والمجتمعات المختلفة .
ويعد المغرب ، من بين الدول المؤسسة لهذا التحالف ، وقد بذلت العديد المساعي ، وتم القيام بجهود كبيرة ، في سبيل تحقيق أهدافه ، سواء عبر إعداد خطة عمل وطنية لتحالف الحضارات من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالشؤون الخارجية ، أو بالأدوار التي قامت بها ولا زالت . ولا زالت من أجل تعزيز قيم السلم والسلام .
وقد انبنت الخطة التنفيذية التحالف الحضارات على أربعة مجالات تهم ، ولى ومن لنمو الشباب والتعليم والهجرة والإعلام ، حضرات السيدات والسادة لقد أضحى الإعلام اليوم يشكل آلية أساسية في بناء السلام وتكريس قيم الحوار والعيش المشترك ، بما يلعبه من دور مهم في هذا الجانب ، بل يمكن القول وبدون أي مبالغة ؛ أن الخطاب الإعلامي اليوم يتصدر كل الخطابات المؤثرة في المجتمعات ولدي الشعوب ، بل وحتى لدى الكثير من صانعي القرار على المستوى العالمي ، لأننا أصبحنا أمام صناعة مكتملة الأركان والعناصر ، من منتجين للخطاب الإعلامي ، ومستهلكين له ، ومروجين وغيرهم … وهو الأمر الذي تأتى بفضل تطورات کبری ساهمت فيها أقلام ومنابر صحافية مرموقة ، بقدر ما سا ما ساهمت فيها أيضا التطورات العلمية والتكنولوجية ، واتساع مساحة الحرية، وأنكا الحجم من الاستئارات الضخمة التي يتم ضخها في هذا القطاع .
وإذا كانت هذه الملاحظة تصدق على الدول المتقدمة ، فإنها تصدق أيضا ولو بشكل نسبي على الدول الصاعدة ، التي أصبح الإعلام بمختلف أشكاله وأنواعه ؛ مؤثرا فيها ومتأثرة به بشكل متفاوت . الكبير هذا الواقع الجديد جعل من عالمنا بالفعل قرية صغيرة ، والخبر والمعلومة والرأي ، يمكن أن أقول أنها أضحت أكثر الأشياء تداولا ، بدون قيود ، لا جغرافية ولا ثقافية ولا حضارية ولا لغوية . إننا اليوم وكأننا أما سباق إعلامي دولي جديد توظف فيه جميع الوسائل والإمكانيات من أجل أهداف مختلفة بل ومتناقضة في الكثير من الأحيان . وإذا كان هذا التطور التاريخي يعد مكسبا حضاريا كبيرا جدا ، لا يمكن أبدا قياس تأثيره الكبير على تطور الحياة اليوم ، فإن هناك وجه آخر يضع بعض وسائل
الإعلام في قفص الاتهام ، على خلفية أشكال من التلاعب بالرأي العام ، ليس فقط من قبل أنظمة منغلقة ، بل يتم ذلك حتى من طرف أنظمة ديمقراطية بتواطؤ مع مؤسسات إعلامية لغايات سياسية ضيقة . بل إن منها من بدأت تلعب دور التأجيج والتحريض ، الذي اضطلع به بعض الفاعلين في هذا القطاع الحيوي ، إبان العديد من النزاعات المسلحة وغير المسلحة ، من خلل ممارسة التضليل ، وترويج الإشاعة ، وتأجيج الخلافات ، والتحريض على العنف ، وترسيخ خطاب الكراهية ، والنزعات العرقية ، والسياسات الإقصائية ، والأفكار المتطرفة ، حيث كان الخبر المضلل والخطاب المحرض ، إما سببا في حروب دامية ونزاعات ، أو سببا في استدامتها ، أو توسيعها أو تطويرها ، من خلال آلة كبرى تستعمل كل الأساليب لغايات غير نبيلة .
ولنا أن نتصور كيف يمكن لبعض الإعلام أن يلعب هذه الأدوار المتناقضة والمختلفة في عالم مطبوع بصراع الحضارات ، لم يعد هاجسه السيطرة على ما هو عادي ، بل تعداه إلى الهيمنة على ما هو رمزي ، من منطلق سيادة خطاب التفوق والتحكم . حيث يخدم بعض الإعلام أهداف وغايات لا تخفى على المتتبع الحصيف ، بفضل قوة الآلة الإعلامية الرهيبة التي تستعمل في هذه النزاعات ، والاستغلال غير الأخلاقي لعدد من الرموز الحضارية ذات القيمة الكبرى لدى الشعوب والدول .
حضرات السيدات والسادة من هذا المنطلق ، انبثقت نقاشات دولية حول الرهان على زرع : ثقافة السلام والحوار بين الحضارات ، والعيش المشترك ، والاعتراف المتبادل ، ما يقتضيه ذلك من استثار في نجاعة الإعلام والسعي إلى توجيه قوة تأثيره نحو دعم مسارات الحوار البناء، وخدمة قضايا التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمعات ، بوسائل سلمية تحفظ السلم والانسجام بين القوى والشرائح المكونة للمجتمع ، يحدث خلالها الخطاب الإعلامي أثرا إيجابيا في المجتمع . ومن هذا المنطلق ، فإننا مدعون جميعا ، كل من موقعه ومسؤوليته ، إلى الإسهام في تعزيز الوعي الإعلامي لمحاربة التصورات المخطئة ، والأحكام المسبقة ، والخطاب المحرض على الكراهية ؛ وكذا تثمين جمود الصحافة الموضوعية والمحايدة ، التي ترتكز في أداء واجبها المهني على مبادئ وأخلاقيات المهنة ، باعتبارها رافعة
أساسية ودعامة مهمة ، في التصدي ومواجحة الشائعات ، التي يتعرض لها الرأي العام ، من وسائل إعلام تغذي هذه الأخبار الزائفة والمغلوطة .
وسيمكن هذا العمل ، من تثمين جمود بلادنا في تعزيز التلاقح الثقافي ، ودعم تنوع روافد الهوية ، بما تتميز به من عنى مكوناتها . خاصة وأن المغرب يعطي المثال دوما ، في الحد من فتيل النزاعات والصراعات ، سواء على الصعيد الإفريقي أو الشرق الأوسطي ، بل وحتى العالمي .
وفي الختام ، أغتنم هذه المناسبة السعيدة ، لأثني على جمود الساهرين على تنظيم هذه البادرة المهمة ، وأهنئكم مسبقا على نجاحها ، وأجدد شكري مرة أخرى السيرا و وللحضور الكريم ، راجيا من الله العلي القدير أن يوفقنا جميعا لما فيه الخير لبلادنا ، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده . والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
بين صفحاتها للكل نصيب ترى أن التحاور مع الآخر ضرورة وسيجد هذا الآخر كل الآذان الصاغية والقلوب المفتوحة سواء التقينا معه فكريا أو افترقنا ما دمنا نمتلك خطابا مشتركا.