الانتفاضة
في أحراش غابات أمريكا الجنوبية يتجول الصيادون في مواسم الصيد،حيث تمتلئ حياتهم بالمغامرات،يقول أحدهم في روايته لقصة مثيرة:
بعد جولة نهارية مرهقة بين الأحراش،جلست على جذع شجرة لأستريح، وفيما أنا جالس شد انتباهي صرخات عصفورة صغيرة…
كانت ترفرف على عشها في جذع كبير، وقد بدا واضحاً أنها تواجه موقفاً عصيباً!
واقتربت من مصدر الصوت في أعلى الشجرة المجاورة،فتبين لي سر انزعاجها، حيث كانت هناك ثعبان كبير يزحف صاعدا فوق الشجرة..
وعيناه شاخصتان إلى العش حيث يرقد أفراخ العصفورة الأم..
وبينما كانت الأم تصرخ جزعاً وخوفاً على فراخها،رأيت العصفور الأب يطير بعيداً..
ويجول في الهواء وكأنه يبحث عن شيء ما.. وبعد لحظات عاد وهو يحمل في منقاره غصناً صغيراً مُغطى بالورق.. ثم اقترب من العش حيث كانت العصفورة تحتضن صغارها..
فوضع الغصن الصغير فوقهم، وغطاهم بأوراقه العريضة.. ثم وقف فوق غصن قريب يراقب الموقف.. وينتظر وصول العدو!
فقلت لنفسي:
كم هو ساذج هذا العصفور.. أيحسب أن الثعبان الماكرة سوف تُخدع بهذه الحيلة البسيطة؟!
ومرت لحظات من التوتر قبل أن تصل الحية إلى الموقع.. والتفت حول غصن قريب.. وعندما اقتربت من العش رفع رأسه الكبير استعداداً للانقضاض عليه.
ففي تلك،تبين أن كل شيء قد انتهى تماماً.. غير أن ما حدث بعد ذلك كان مثيراً جداً.. ففي اللحظة التي همّت الحية باقتحام العش.. توقفت واستدارت.. ثم تحولت فجأة وأسرعت مبتعدة عن العش وكأنها أصيبت بطلقة نارية!..
وولت الثثعبان هاربا وقد بدا اضطرابه واضحاً من هوول الصدمة..
ولم أفهم ما حدث حينئذ، لكن بعد هنيهات قليلة رأيت العصفور الأب يعود إلى العش لترتفع أصوات العائلة و”صوصواتها” السعيدة تعلعل فرحاً بالنجاة..
فالتقطت الغصن واحتفظت به حتى التقيت بأحد خبراء الحياة البيولوجية في الأحراش اللاتينية..
فقال لي أن هذه الأوراق تحتوي على مادة شديدة السمية قاتلة للحيات.. حتى أنها تخاف رؤيتها.. وترتعب من رائحتها.. وتهرب من ملامستها!
وتعجبت من تلك القوانين المنضبطة التي تحكم الحياة بدقائقها المثيرة.. فتساند الضعيف.. وتتصدى للقوي..
وتمنح العصفور الصغير علماً ومعرفة وحكمة وشجاعة وحباً وأبوة كهذه!
لقد وضع الله تخطيطاً محكماً لجميع مفردات الحياة.. صغيرها وكبيرها.
فالذي علّم العصفور أن هذه الاوراق فيها سم قاتل تخافه الحيات ، لن يضيعك وقت الشدائد وسيلهمك التصرف السليم لتخرج منها معافى ، فلا تقلق على حياتك ولا على رزقك.
واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك و ما أخطأك لم يكن ليصيبك…
رفعت الأقلام وجفت الصحف …