الانتفاضة
تميزت سنة 2022 بالعديد من الأحداث التي علق عليها الماليزيون آمالا كبيرة من أجل الانتعاش الاقتصادي وإنهاء حالة عدم الاستقرار السياسي التي استمرت منذ سنة 2020.
وكان من أهم هذه الأحداث إعادة الفتح الكامل لحدود البلد لأول مرة منذ تفشي جائحة كوفيد -19، وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة.
وكان من المرتقب مبدئيا تنظيم الانتخابات التشريعية الماليزية في شتنبر 2023، غير أن رئيس الوزراء السابق إسماعيل صبري يعقوب أعلن في 10 أكتوبر حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
وبالنسبة للعديد من الماليزيين، مثلت هذه الانتخابات مخرجا من حالة عدم الاستقرار السياسي التي بدأت سنة 2020، عندما أدت حركة من الترحال السياسي إلى سقوط الائتلاف الحاكم آنذاك واستقالة رئيس الوزراء مهاتير محمد، قبل أن يتسلم مفاتيح السلطة التنفيذية بالبلد فيما بعد رئيسي وزراء في ظرف سنتين، وهما محي الدين ياسين وإسماعيل صبري يعقوب.
وفي هذا السياق المتوتر، أجريت الانتخابات التشريعية في 19 نوفمبر 2022، والتي تميزت بنسبة مشاركة مرتفعة (15,5 مليون مواطن، أي 73,89 في المائة من الناخبين)، غير أنها أسفرت عن برلمان من دون أغلبية واضحة لأول مرة في تاريخ البلد الشرق آسيوي.
ولم يتمكن الائتلاف الإصلاحي باكاتان هارابان بزعامة أنور إبراهيم، ولا تحالف بيريكاتان ناسيونال بزعامة محي الدين ياسين، من بلوغ الأغلبية المطلقة المكونة من 112 مقعدا برلمانيا ضروريا لتشكيل الحكومة، وذلك بعد أن حصل باكاتان هارابان على 81 مقعد، وبيريكاتان ناسيونال على 73.
وفي ظل هذا الوضع تدخل الملك الماليزي، سلطان عبد الله سلطان أحمد شاه، لوضع حد لحالة الشك التي سيطرت على البلاد بعد هذه النتائج، بتعيين أنور إبراهيم رئيسا للوزراء في 24 نونبر، وتكليفه بتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وسيتعين على السلطة التنفيذية الجديدة مواجهة العديد من التحديات الرئيسية، من بينها على الخصوص تحسين الوضع الاقتصادي في مواجهة التضخم المتسارع منذ إعادة فتح الحدود الدولية للبلاد.
وشكلت إعادة الفتح الكامل للحدود الدولية لماليزيا في أبريل، الحدث الآخر الأبرز هذا العام، وذلك بفضل ارتفاع معدل التلقيح والانخفاض الكبير في حالات الإصابة بكوفيد-19، وهو ما نتج عنه ارتفاع قوي في حركة المسافرين.
وواكب ذلك أيضا الإلغاء التدريجي لقيود كوفيد في ماليزيا، ليبدأ مسلسل الانفاق، مما أدى إلى ارتفاع الطلب الذي لم يكن في نفس مستوى وتيرة العرض، والنتيجة ارتفاع معدل التضخم ابتداء من ماي ليبلغ سقف 4,7 في المائة على أساس سنوي في غشت. وأدت التوترات الجيوسياسية، لاسيما الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم هذا الوضع.
وفي مواجهة دوامة التضخم التي أثرت بشكل خاص على المواد الغذائية، اعتمدت ماليزيا سلسلة من الإجراءات، وذلك من خلال اعلان رئيس الوزراء إسماعيل صبري في يونيو الماضي أن البلد أوقف تصدير حوالي 3,6 مليون دجاجة شهريا إلى غاية استقرار “الأسعار والعرض”.
وباتخادها هذا القرار، انضمت ماليزيا إلى قائمة ضيقة من البلدان التي حدت من صادراتها من المواد الغذائية لتحقيق الاستقرار في الأسعار في أسواقها المحلية، كما هو الشأن في حالة صادرات زيت النخيل التي أوقفتها أندونيسيا والقمح من طرف الهند.
كما قدمت الحكومة السابقة مساعدات متنوعة ترمي لتقليص الضغوط التضخمية على السكان تمثلت في البنزين والديزل وزيت الطهي والدقيق والكهرباء.
وبحسب وزير المالية آنذاك، ظفر عبد العزيز، بلغ إجمالي الدعم المخصص حوالي 80 مليار رينجت (18,1 مليار دولار) سنة 2022، “وهو أعلى مبلغ في تاريخ البلاد”.
وبدأ معدل التضخم أخيرا في الانخفاض منذ شتنبر، عندما استقر عند 4,5 في المائة، فيما بلغ 4 في المائة في أكتوبر.
وأثبت الطلب المحلي القوي والانتعاش المستدام لسوق الشغل بعد إعادة فتح الحدود الدولية أنهما مفيدان للنمو.
وفي نونبر، أعلن البنك المركزي الماليزي أن الاقتصاد الماليزي نما بنسبة 14,2 في المائة على أساس سنوي في الفصل الثالث من سنة 2022، وهو ما يشكل تحسنا ملحوظا في الأداء مقارنة بنمو 8,9 في المائة المسجل في الفصل الثاني من عام 2022.
وتجاوزت الأرقام الصادرة عن البنك المركزي الماليزي في نونبر توقعات معظم المحللين، والتي ذكرت أن معدل نمو الاقتصادي الماليزي للفصل الثالث سيكون بين 10 في المائة و13,6 في المائة.
وسيكون التوفيق بين هذا الانتعاش القوي في النمو، والعمل على وقف التضخم أحد الملفات الساخنة التي تنتظر حكومة أنور إبراهيم الجديدة سنة 2023.