مسؤولية الاستاذ جسيمة، فمنه المعلم، ومنه المربي، ومنه الوالد، ومنه الحاكم…. صفات اجتمعت لتحوله في بعض اللحظات إلى رجل حنون، وفي لحظات أخرى إلى شخص متسلط، أو متجبر على تلاميذ في طور الشغب المعرفي، والشيطنة، هم لا يرون أن الاستاذ يخاف على الركاب، ويقود السفينة إلى شط الأمان، هو يدرك معنى خطورة الأمواج العاتية، هدير البحر، وهم يرقصون على وقع الهدير، ويعتبرون الربان الذي يأمرهم بالانضباط وتطبيق التعليمات أو الأوامر بشكل حرفي، متجبرا قاسيا، يعيش خارج العصر والحداثة…
قد لا تضدح الصورة وتكتمل إلا بعد سنوات يصل فيها ذلك الطفل إلى مرحلة النضج، فيدرك أن مرتبة الاستاذ هي مرتبة أب يغار على أبنائه، يمدهم بكل ما لديه من طاقة، ومن معلومات وأفكار، ولا يرغب وراء ذلك سوى أن يرى أثر عمله على متعلميه.
جلس التلاميذ في مقاعدهم يتتبعون الدرس الذي كان عبارة عن دردشة وأسئلة متفرقة حول بعض الأمراض المجتمعية السائدة، بين الرئيس والمرؤوس، وبين الباطرونا المتوحشة….، لم تكن كلمات الاستاذ مفهومة لأطفال لم يبلغوا سن دراسة أصول الفلسفة، وفك شفرات نص يحتاج إلى كثير من التأني والتأمل و استيعاب المعنى والمقصود قبل الإجابة عنها..
قال الأستاذ وهو يوجه خطابه إلى التلميذة حنان:” العجلة من الشيطان، لا تتسرعي في الإجابة ، فالتحليل الدقيق يحتاج إلى مجموعة من الأدوات التي درسناها سابقا من أجل فك طلاسيم النص وتفكيك فقراته..
التفت احد التلاميذ إلى زميله وقال بصوت خافت: ان الاستاذ يحلم أن يصنع منا عباقرة وعلماء من فراغ، هو يجهل اننا من أبناء الشعب المقهور، الذي يحصل آباؤه على القوت بالكاد .. ،
اجابه زميله بشيء من الاستهزاء الأستاذ يريد ان يحولنا إلى روبوات تخرجنا من عالم مدرسة تعليمية متواضعة، إلى لعب دور الفيلسوف والمنجم والرياضي والفلكي، والخطيب..
ابتسم صديقه ورد : جيِّد، ولكن الا ترى ان الاستاذ يبالغ في مواقفه، يتقن التعبير عن منجزات الآخرين، والنجاحات التي تحققت في عهد شعوب مضت، وأكل الدود أجسادها، وينسى ان عصرنا هذا، ماتت فينا ملكات القراءة والمطالعة والبحث، اصبح التلفاز والسوسية ميديا وقنوات التواصل الاجتماعي التافهة تغتصب معظم وقتنا، ولم تعد نملك مقومات الخبير او الفيلسوف او المصلح الاجتماعي،
التغيير وصناعة الإنسان ،تتطلب الخبرة الكبيرة والزمن الطويل..
صدرت تنهيدة خفيفة من صدره وهو يسائل نفسه :”
هل يصح أن يطلب الواحد من غيره أن يكون طيعا، َودودا ، مستجيبا.. يتحرك وفق أهواء رئيسه أو استاذه، وما ينسجم ونظرته وقناعته للحياة؟
هل يصح أن يعطي المسؤول لنفسه الصفة الضبطية، فيضع الخطوط الحمراء، ويلوح بالعقوبات الزجرية لكل من خرج عن الطوع، وسلك طريقا غير طريقه.
قطع احمد شريط الأفكار الشاردة في ذهن زميله، وقال : انا أحدثك عن غضب الاستاذ، عن نرفزته حين لا نستجيب لتعليماته، كلماته الجارحة التي لا تراعي نفسيتنا المهزوزة بفعل طيش التدخلات ، وتمس الكرامة في أسمى تجلياتها..
حين نكتب فقرة او موضوعا إنشائيا أو نطرح استفهاما ، او نجيب عن أسئلة متضمنة للنص ، ليس بالضرورة أن نتفق على جواب معين، فكل واحد منا له رأيه، وهو حر في التعبير وإبداء الرأي، ومعالجة النص من الزاوية التي يراها مناسبة، والأخذ بالاستدلال ما دام الجواب يتناول صلب الموضوع..
_ بالفعل زميلي : الاختلاف رحمة، ولكن الذي لا استسيغه، ان يسعى “المستر” فرض وجهة نظره علينا بالقوة، ودفعنا للإيمان أن كلامه صائب، و أوامره مطاعة ، والباقي لا قيمة له..
_ لم أفهم قصدك، ماذا تعني
_ قل لي : هل يصح ان ينعث الاستاذ من هم تحت إمرته، بالخنازير، ومخلفات الطعام ، وما عافت الأسواق الكبيرة من شاريوهات وآلات حلاقة مستعملة ؟ .ضحك علي الذي كان يتابع الحوار الثنائي وقرر ان ينخرط في الحديث سائلا بدوره ، سأطرح عليكم سؤالا بسيطا اذا اجبتم عنه تحققت النتيجة المطلوبة
_هل يصح التيمم في حضرة الماء ونعمة الصحة؟ أجاب الجميع : لا
_هل يصح لبس الحجاب فقط لأن المريد يفتي في ذلك، وهل يصح ارتداء الجبة القصيرة، و إبراز مفاتن الجسد الأنثى ما دام صاحبنا يعتبر ذلك تحررا وحرية شخصية،وانسجاما مع روح العصر؟ . أجاب الجميع :لا
_ رغم انهم لم يفهموا علاقة الأسئلة بالموضوع، قرروا الضحك ، ووجدوا أنفسهم يخطون نفس خطوات استاذهم، فهم يكثرون من طرح الأسئلة، وترك الأجوبة لزمان خارج مظلة وزمن الاستاذ ونعيقه