الانتفاضة
محمد المتوكل
فجعت (دمنات) ومنطقة ازيلال عموما بوفاة 24 شخص كانوا على مثن سيارة النقل المزدوج متجهين الى السوق الأسبوعي للتسوق، هؤلاء الأشخاص اصبحوا جثثا هامدة بعد ان تعرضت سارة النقل المزدوج او كما اسميه شخصيا بالنقل (المزدحم) الى حادثة سير فقد على اثرها السائق التحكم في مقاليد السياقة ليطيح ب24 شخص دفعة واحدة، في احدى منعرجات ازيلال، مخلفا جرحا عميقا وغائرا في نفوس الأهالي، وسكان المنطقة الذين يعانون من التهميش والاقصاء ولا يجدون وسيلة من وسائل النقل لقضاء مصالحهم الا سيارة النقل المزدوج، تلك الوسيلة التي يزدحم فيها السكان كأنهم علب السردين، في الوقت الذي عجزت فيه الدولة الشريفة عن توفير وسائل النقل المناسبة، والمريحة، والحافظة لكرامة هؤلاء الفقراء، والبسطاء، والذين لا يطلبون شيئا مستحيلا في مغربهم العميق بقدر ما يطلبون عيشا كريما، واكلا صحيا، وشربا صحيا، ومستوصف، ومدرسة، وطريق، وكهرباء، وماء، والحد الأدنى من الخدمات التي تشعرهم بانهم ينتمون الى وطن رحيم باهل الرباط وكازا ومراكش واكادير طنجة، وقاس على اهل الجبل، وطن الفوارق الاجتماعية، والهوات الاقتصادية، (وباك صاحبي)، (وسير عند فلان وقل ليه من طرف فلان)، (واللي عندو مو فالعرس ما يبات بلا عشا)، والمحسوبية، والزبونية، والاقصاء الاجتماعي، والتهميش الاقتصادي، وغير ذلك من المدلهمات التي تؤرق عيش مغاربة المغرب العميق، وتجعلهم جثثا قابلة للدفن في كل وقت وحين.
سقوط 24 ضحية في وقت قياسي في الحقيقة يسائل المسؤولين الوطنيين والجهويين والمحليين عن ماهية الإجراءات التي قاموا بها لفائدة سكان الجبل الذين يعيشون خارج منطق التوزيع العادل للثروة، ويحييون حياة البؤس والفقر والخصاص والعوز، والا كيف يمكن للدولة الشريفة ان تفسر ازدحام المواطنين المغلوبين على امرهم في سيارة واحدة ؟؟؟، دون ان ننسى جشع ارباب هؤلاء السيارات الذي يجعلهم يقومون بأعمال خارج المنطق والقانون من قبيل السرعة المفرطة، وعدم احترام معايير السلامة، والامن مما يعرض حياة المرتفقين الى الخطر المحدق بين الفينة والأخرى.
ان سقوط 24 شخص في احدى منعرجات ازيلال دفعة واحدة يسائلنا كمجتمع مدني نحرص على النعيق والزعيق من اجل تحصيل مصالحنا الشخصية، ولا نفكر في ما يجمعنا من قيم مشتركة، ومصالح متبادلة تفرض علينا ان نكون مثل الجسد الواجد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، والا تأخذنا الفردانية القاتلة، والانانية المقرفة، والذاتية المتعصبة لكل ما هو شخصي في الوقت الذي وجب علينا ان نفكر بطريقة جمعية، ونتحد في السراء والضراء خدمة لمجتمع اخذ يتفكك رويدا رويدا، ويتحلل من قيمه، ويتفسخ من عاداته وتقاليده، ويتنصل من منظومته القيمية والأخلاقية التي تنص على التعاون، والتعاضد، والتآزر، والتأخي، والتواصل.
ان فاجعة (دمنات) لتسائل كذلك القائمين على تسيير امورنا من مسؤولين حكوميين، ومسؤولين امنيين، ووزراء، و منتخبين، وجمعيات مدنية، وجمعيات حقوقية، وفاعلين عن ماهية الإجراءات التي قاموا بها من اجل الا تتكرر مثل هذه الفواجع التي تحصد كل سنة ارواحا بريئة، وانفسا قدر لها ان تموت بطرق غير معبدة وفي وسائل نقل لا تتوفر فيها ادنى شروط السلامة، وظروف عيش قاتمة قتامة المشهد المغربي الذي لا يبعث على الارتياح، ووضاعة من وكل اليهم تسيير هذه البلاد من منتخبين ومسؤولين كل همهم هو البحث عن مصالحهم أينما كانت، وكيف ما كانت، ولا تهمهم مصلحة من (دكسوا) في وسيلة نقل مهترئة، وطريق متأكلة، وسائق متهور، ووضعية اقتصادية هشة، وظروف عيش قاتلة، وجبال خاوية على عروشها تنتظر من يصل اليها ليخرجها من الظلمات الى النور، وسكان كل همهم هو توفير متطلبات العيش الكريم، وبنية تحتية غائبة، وبنية فوقية متغيبة، وظروف مناخية قاسية، واستهتار مسؤولين، وتلاعب منتخبين، وهلم جرا.
لقد ان الأوان سادتي الكرام الى ان نعيد للمواطن المغربي كرامته المهدورة، وان نعيد بناء مغرب يسع الجميع، وان نفكر في (المزلوط) الذي يسك الجبل والفقير الذي لا يجد كسرة خبز في مغرب جل أراضيه فلاحية، وفي مستقبل قرية كتب عليها ان تعيش بين الجبال، والفيافي بعيدة عن كاميرات قنوات الصرف الحي، ومستبعدة عن هواف بعض الجرائد، والقنوات الصفراء، وعلى اخنوش الملياردير (الذي لا ينزل من طائرة الا ويركب أخرى) وحمامته ان تطير الى مثل هذه المناطق المنعزلة، والمعزولة، والمقتولة اقتصاديا، واجتماعيا، وسياسيا، والمهدورة تنمويا، والمغدورة تعليميا، والمبتورة صحيا، والتي تشكل مرتعا سياسيا، وورقة انتخابية يتم انتهازها كل مناسبة انتخابية من قبل المنتخبين الفاشلين، والسياسيين المرتزقين الذين يستلذون بمثل هذه الماسي الإنسانية، ويتاجرون بمثل هذه الفواجع التي لا تريد ان تقطع مع مغرب الفواجع التي لا تكاد تنتهي للأسف الشديد.
فاجعة (دمنات) تسائلنا جميعا ليس كمسؤولين، بل تسائلنا كمجتمع، وكدولة وكأمة كتب عليها ان تبقى خارج التاريخ، والجغرافيا، والتربية الوطنية، امة لها من الخيرات ما تنوء به العصبة اولي القوة، ولكن بقيت حبيسة الرباط وكازا ومراكش واكادير وطنجة ولم تعرف طريقها الى (دمنات) وازيلال وغير ذلك من مناطق المغرب العميق.


زر الذهاب إلى الأعلى