الانتفاضة
المصطفى بعدو
اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في عام 2014 عندما انضمت شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وذلك بعد الانتفاضة الشعبية في أوكرانيا التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش،ومنذ ذلك الحين، تفاقمت الصراعات في شرق أوكرانيا حيث يقاتل الانفصاليون المدعومون من روسيا ضد القوات الأوكرانية.
وتعود الأسباب الجذرية لهذا الصراع إلى العلاقات التاريخية والثقافية والدينية بين البلدين، فقد كانا جزءًا من الاتحاد السوفياتي في الماضي، وعلى الرغم من استقلال أوكرانيا في عام 1991، إلا أن هناك توترًا دائمًا بين البلدين بسبب الحدود المشتركة والقضايا الإقليمية.
وكعادتها،تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي دعم أوكرانيا في هذا الصراع، لقطع طريق الامتداد والاستحواذ لروسيا على المزيد من الاقاليم التابعة لجمهورية اوكرانيا حاليا ، والتي لازالت تحسبها ارث لها بحكم انها كانت مناطق سوفياتية سابقا، ومن اجل ذلك،تحاول هي الأخرى دعم الانفصاليين الموالين لها في شرق أوكرانيا، وتتخذ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إجراءات اقتصادية ضد روسيا، مما يؤدي إلى تصعيد التوترات بين البلدين.
حيث يعتبر هذا الصراع أيضًا جزءًا من الصراع العالمي بين الغرب وروسيا، والذي يشمل العديد من المسائل السياسية والجيوسياسية والاقتصادية “وحتى العرقية”..
فالقيصر بوتين الذي يمثل زعيم روسيا الجديد،وشخصية سياسية مؤثرة في الساحة الدولية،والذي يحاول بعث امجاد إمبراطورية الاتحاد السوفيتي وايقاضها من رمادها مثل “العنقاء”،والذي يهدف بسياساته الداخلية والخارجية، للعودة بمكانة روسيا الطبيعية كدولة عظمى، وقد تم تحقيق بعض النجاحات في هذا الصدد خلال فترة حكمه، رغم أن روسيا تعاني من العديد من المشاكل الاقتصادية والسياسية، الا انه يحاول استخدام الصراعات الخارجية، مثل الصراع مع أوكرانيا، لتوحيد الشعب الروسي وتعزيز النفوذ الروسي في المنطقة.
ومع ذلك، يجب أن نلاحظ أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا ليس مجرد محاولة لإيقاظ إمبراطورية الاتحاد السوفيتي، وإنما هو صراع يتعلق بالأراضي والحدود والهوية الوطنية، حيث يتدخل في الصراع أيضًا العديد من اللاعبين الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي، وتعمل هذه الدول على دعم أوكرانيا في هذا الصراع، الذي يمثل في شكله الخارجي”الدفاع عن مصالح اوكرانيا”، ولكن الحقيقة الساسية التي يغلب عليها الواقع ، هو خوف هذه الدول من استحواذ روسيا على الثرواث الباطنية التي تزخر بها اوكرانيا، وماخفي كان اعظم.
فروسيا بزعامة القيصر فلاديمير بوتينـ يعرف جيدا خلفيات هذه الاطماع الغربية تجاه اوكرانيا بشكل عام، واتجاه بلده بشكل خاص، ويرى ان الغرب ساقوا اليه حربه على اوكرانيا على طبق من فضة، لانه آخر معقل للنفود الغربي في المنطقة ، ولابد من الفوز فيه، حتى يلجم الاوروبيين الذي يعولون على قوة الولايات المتحدة الأمريكية، بلجام من نيران اولا واشياء أخرى ثانية، فالقوة العسكرية في هذه الحرب بالذات لاتعتمد كما أسلفنا بشكل كامل على الهيمنة والقوة العسكريةفقط،رغم انها تبقى أساسية لزعزعة الاستقرار الأمني في المنطقة أولا ، واثباث مدى القوة العسكرية ثانيا، لكن رغم ذلك، تبقى أداة من الأدوات فقط، فمن بين هذه الأدوات، تشمل فرض العقوبات على الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، وقطع الغاز الطبيعي والنفط إلى أوروبا كوسيلة للضغط على الدول الأوروبية، وخاصة ان روسيا تحتل موقعًا استراتيجيًا في إمداد أوروبا بالغاز الطبيعي والنفط، وتستغل هذا الموقع لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وفي حال فرض العقوبات عليها، تستخدم روسيا قوتها الاقتصادية كوسيلة للضغط على الاتحاد الأوروبي وتحقيق أهداف سياسية.
ولا يمكن إنكار أن هذه الأدوات قد تؤثر بشكل كبير على الاتحاد الأوروبي ودول الأعضاء، وتجعلها تحاول إيجاد حلول سياسية للصراع بدلاً من الاعتماد على الحلول العسكرية التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التصعيد والدمار.
نهيك، عن روسيا ليست لوحدها في هذه الحرب، وانما هي بالمثل تعتمد على حلفاء اقوياء ، لهم نفس التوجهات السياسية والاقتصادية ، والاستراتيجيات الدفاعية ضد الكيانات الغربية التي تتزعمهم الولايات المتحده الامريكيه ،
حيث تعتمد على الصين وإيران وسوريا وبيلاروس وكازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وأرمينيا وغيرها، نظرا لأن هذه الدول تشارك معها نفس التوجهات السياسية والاقتصادية مع روسيا، وترى فيها حليفًا استراتيجيًا يمكن الاعتماد عليه في مواجهة التحديات الغربية والأمريكية بشكل خاص،كما أن لدى روسيا حلفاء سياسيون واقتصاديون قويون في المنطقة مثل سوريا وإيران، اللذان يدعمانها بشكل فعال في مواجهة الضغوط الدولية.
ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الحرب ليست فقط حربًا عسكرية بين روسيا وأوكرانيا، وإنما هي صراع استراتيجي بين روسيا والغرب، وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية. ويشارك في هذا الصراع العديد من الأطراف المتداخلة مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو) ودول الاتحاد الأوروبي ودول عربية واسيوية، ويتم تشجيعه من قبل بعض الدول والمنظمات الدولية لإضعاف روسيا وضربها في جوهر قوتها الاستراتيجية والاقتصادية.
فمثلا، علاقة روسيا والصين ،تستند على التوجهات السياسية والاقتصادية المشتركة، بالإضافة إلى الدفاع المشترك ضد القوى الغربية التي تزعمها الولايات المتحدة. ويتعاون البلدان أيضًا في العديد من المجالات، مثل التجارة والطاقة والدفاع والتكنولوجيا.
ويعتبر الدعم الصيني لروسيا في الصراع مع أوكرانيا أمرًا مهمًا، حيث يمكن أن يزود الصين روسيا بالموارد والتكنولوجيا التي تحتاجها لتحقيق أهدافها في الحرب،ومن المتوقع أن يتم تعزيز العلاقات بين البلدين في المستقبل، وخاصة إذا استمر الصراع في الشرق الأوسط.
لكن في المقابل من ذلك، تعتمد الصين الشعبية على دعم روسيا اللامشروط ضد حربها مع تايوان، حيث تعتبر روسيا داعمًا قويًا لسياسة الصين الرسمية الواحدة، وتعتبر تايوان جزءًا لا يتجزأ من الصين. وتدعم روسيا بشكل دائم سياسة الصين المتعلقة بتايوان، وترفض أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية للصين.
ويعتبر هذا الدعم المتبادل بينهما أمرًا مهمًا لتحقيق أهدافهما الجيوسياسية في المنطقة، ويسعيان لتعزيز نفوذهما وتحقيق مكاسب استراتيجية في المنطقة، ويتوقع المراقبون أن يستمر هذا التبادل في المستقبل، ويزيد من قوة العلاقة بين البلدين
وهذامابينته جميع السياسات الصينية التي تتجه إلى إعادة بسط يدها بالكامل على تايوان، والتي تعتبرها الصين قضية حساسة، لانها جزءًا لايتجزأ من الصين العظمى، وتحت سيطرتها الفعلية، شاء من شاء والعكس، وانطلاقا من هذه القاعدة، تسعى الصين إلى إعادة بسط سيطرتها على تايوان بشكل كامل، وتعتبر أي محاولة للاستقلال أو الانفصال عن الصين خط أحمر بالنسبة لها،وتتبنى سياسة “الوحدة الوطنية” وترفض بشدة أي تدخل خارجي في شؤون تايوان، وتعتبر الدعم الذي تقدمه روسيا لها بمثابة تأكيد على هذه السياسة.
وقد شهدت العلاقات بين تايوان والصين توترًا متزايدًا في الفترة الأخيرة، حيث قامت الصين بتعزيز نفوذها ووجودها العسكري في المنطقة، فيما تواجه تايوان تحديات أمنية واقتصادية كبيرة،حيث يسعى كلاهما إلى استعادة نفوذهما السياسي والاقتصادي والعسكري في مناطق سابقة كانت تابعة لهما في السابق.
في حالة روسيا، فإنها تريد إعادة بناء الاتحاد السوفيتي، والذي كان يضم أجزاءً كبيرةً من أوروبا الشرقية، بما في ذلك أوكرانيا، وتسعى للحفاظ على نفوذها في المنطقة من خلال استخدام القوة العسكرية والضغط السياسي والاقتصادي.
وفي حالة الصين، فإنها تسعى إلى استعادة تايوان، الذي ينظر إليها باعتباره جزءًا منها، وهو ما يعكسه تاريخيًا بما في ذلك اعتراف الكثير من الدول العالمية بالصين الشعبية وعدم الاعتراف بتايوان كدولة مستقلة، كما تسعى ايظا إلى توسيع نفوذها في مناطق أخرى في جميع أنحاء العالم من خلال مبادرات مثل مشروع الحزام والطريق.
ولكن يجب الإشارة إلى أن هذه الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية لكل من روسيا والصين، تسبب توترًا كبيرًا في العلاقات الدولية، وتهدد استقرار المنطقة والعالم بأكمله.
لكن بشكل عام، يمثل هذا التوحه جزءًا من الصراعات الجيوسياسية العالمية والمنافسة بين القوى الكبرى والدول الناشئة. فقد تسعى روسيا والصين إلى توسيع نفوذهما السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة والعالم، وتقليل نفوذ الدول الغربية، وخصوصًا الولايات المتحدة،وتتنافس الدول الكبرى في استخدام الأدوات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية لتحقيق أهدافها في هذه المنافسة، ومن المحتمل أن يؤدي هذا التوتر والصراعات الجيوسياسية إلى تدهور العلاقات بين الدول وزيادة الاستقطاب في العالم، وقد يؤدي إلى اضطرابات ونزاعات مسلحة في بعض الأحيان.