
الانتفاضة : الصويرة
بقلم : محمد السعيد مازغ
طال الحديث عن مستشفى محمد بن عبد الله بمدينة الصويرة، وبلغت التصريحات في شانه حد التناقضات، وقفات واحتجاجات وتمدد أجساد بمحيط المستشفى تعبيرا عن الحالة المتردية التي آل إليها المستشفى ، صيحات امرأة تشق الآذان، وهي تعبر عن معاناة مرضى في وضعية حرجة، وسوء الخدمات وضعف التجهيزات، والخصاص المهول في الأطر الطبية والتمريضية، وقلة النظافة…

وقبل أن يتراجع اعداد المشاهدين للمقاطع التي نقلتها السيدة بالصوت والصورة، وهي تكشف عن جماعة من أقارب المريضة وهي تسعى إلى تشغيل آلة التنفس، وتقديم المساعدة للمصابة بإحدى السلالات المتحورة من كورونا، وهي تمر من وضعية حرجة، في غياب أي إطار طبي يعفي الغرباء عن المستشفى من التدخل في مهنة لها قواعدها، وتقنياتها، علما أن محاولة تشغيل الجهاز الطبي قد تؤدي إلى تعطيله، وبذلك تصبح الخسارة مزدوجة، خسارة مادية لأجهزة باهضة الثمن، وخسارة بشرية، لأنه لن ينفع الجهاز المعطل المريضة ولا غيرها.

وجه نسائي آخر، من داخل جناح العناية المركزة، يعاني نفس الأعراض، ويئن من مضاعفات الفيروس القاتل، يشيد بالمعاملة الإنسانية، وبما يتلقاه من عناية واهتمام، وبما يتوفر عليه المستشفى من تجهيزات طبية، ومن أدوية خاصة بمرضى كوفيد، ومن أطر طبية وتمريضية كفءة، تعمل جاهدة من أجل إنقاذ الأرواح، وفي الأخير، لا تسمع كلمة شكر، ولا اعتراف بالجميل، فالمواطن غالبا ما لا يلجأ إلى المستشفى إلا بعد أن تتفاقم أوضاعه الصحية، وحينها فهو أو من يقوم مقامه لا يراعي ظروف العاملين بالمستشفى، ويجهل الأعداد التي حلت بالمستشفى من المصابين، والتي تفوق طاقته الاستيعابية، وعدد الأطباء والممرضين المشرفين على الحالات، ومدى قدرتهم على تلبية حاجات الجميع في آن واحد.

إحصاءات يومية وأسبوعية، تكشف عن الإصابات والحالات التي تم الكشف عنها، ما استقبل منها، وما شفي، ومن مات، ومن تحت العناية المركزة، أعداد أخرى من ساكنة الإقليم، اكتفت بالعلاج المنزلي، والعزلة، وبذلك فهي لا تندرج ضمن الإحصاءات الرسمية التي تعلن عنها مندوبية الصحة بإقليم الصويرة، مجهودات كبيرة تحاول أن تتغلب على المعضلة الصحية، وتجد فضاءات بديلة، وموارد بشرية إضافية للتخفيف من حدة الألم، وإنقاذ الأرواح من موت محقق.
ورغم هذه الأخطار المحدقة، والإجراءات الاحترازية الموصى بها، والارتباك الحاصل في استقبال المرضى، وتوفير الظروف المناسبة للاستقبال والعلاج، يظل كثير من الساكنة، غير مبالين، يتجمعون في أماكن مكتظة، يتعانقون ويتبادلون القبل، يتصافحون، ويشد بعضهم يد البعض بحرارة، يتناوبون على كوب ماء واحد في المقاهي، ومنهم من يتناوب السجائر وغيرها.. ومن خلال هذه السلوكات الطائشة، يتأكد أن هذه الفئة تخاطر بذاتها وبغيرها، وبعقليتها هذه، تضع نفسها خارج التغطية، فلم تنفع معها الإشهارات التلفزية التحسيسية بمخاطر الفيروس، ولا الإداعية والبرامج المتنوعة التي تستضيف فيها أطباء وخبراء ومواطنين مروا من الموت، ونجوا بأعجوبة، ولا السلطات المحلية والأمن الإقليمي والدرك الملكي، وجمعيات المجتمع المدني الذين تعبوا من أجل توعية المواطن بأهمية الكمامة، وموضعها الصحيح داخل الوجه، فلم تنفع الغرامات المادية، ولا الاعتقالات الاحتياطية، ولا النصائح الشفوية، ولا توزيع الكمامات مجانا لاستعمالها.
ما العمل إذن ؟ من نصدق ومن نكذب في التصريحات الواردة من نفس المكان، ونفس المرض، ونفس الجناح الطبي ! ؟ واحدة تتحدث عن النظافة والكفاءة والجودة، وأخرى عن الإهمال، والأوساخ، والخصاص..
