ثقافة و فن

تشكلات الخط المغربي في المعمار المغربي رؤى جمالية

الانتفاضة الثقافية

بقلم ”   د. محمد البندوري “

   يعتبر الخط المغربي أحد الموضوعات الهامة في الثقافة الحروفية المغربية، فهو مظهر من مظاهر الجمال في العمارة المغربية الأصيلة. فقد استطاع من خلال تجلياته أن يرسخ طابعا خاصا تعرف به العمارة المغربية لدى جميع الأجناس. وقد تفوق في إضفاء الطابع الروحاني على المعمار المغربي، بقيمة جمالية وأشكال دلالية. ولعل انصهاره في المعمار المغربي قد ساهم في تربية الذوق وتهذيبه، وساهم في مزج المجال الجمالي بالجانب الروحي. وساعد أيضا في لفت النظر إلى ما يعبر عنه النقاد بمجال الرؤية البصرية. وبخصوص الكتابات الخطية المغربية، فإنها تتجلى في كل الوسائل العمرانية المغربية، ولعل من أقدمها الكتابات الخطية الإدريسية على منبر مسجد تلمسان أو الرسالة التي يدعو فيها المولى ادريس المغاربة للبيعة ..

د محمد البندوري

  ولم تكن للخط المغربي فيما مضى قواعد محددة أو ضوابط تقييدية كما في الخطوط المشرقية، ولكن جمالياته الفائقة صنعت علاقة بصرية ربطته بالمثقف المغربي وبمختلف أشكال الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية والفنية فأضحى تواجده في المعمار المغربي يتخذ بعدا جدليا، وأصبحت وظيفة الخط المغربي من خلال تجلياته العمرانية المختلفة تحمل طابعا أخلاقيا وتربويا وجماليا، تدل على ذلك الشواهد العمرانية المغربية من العهد الادريسي الى اللحظة المعاصرة الآنية، والتي شدت أنظار العرب والعجم فانبهروا بالقيمة الجمالية للخط المغربي. وإن دواعي هذا الانبهار نتجت عن ارتباط الخط المغربي بطقوس الفن المغربي العريق،

وكذلك بتجليه في المعمار المغربي بتشكلات رائقة ومتنوعة، فالذي ميز الكتابات المغربية على مختلف وسائل العمران منذ الفتح الاسلامي للمغرب هو الطابع الكوفي الذي اتخذ أشكالا مختلفة وتطور الى الكوفي المغربي. ومع التطور الحضاري المغربي فُسح المجال للخط المغربي كي تتنوع أنماطه وأشكاله، بل وساعد ذلك على صنع أساليب جديدة ذات مميزات وخصائص ينفرد بها المغرب. ويتبدى ذلك جليا في النماذج الخطية الموسومة في السكة النقدية وفي الجدران وفي الأنسجة وعلى الخشب والأواني. هذا فضلا عن الكتابة المغربية على المصاحف القرآنية وعلى أغلفة أمهات الكتب الأدبية والنقدية وبعض الزخارف الخطية المزينة للعمارة المغربية في المساجد وفي القصور، خاصة المنحوتة على المرمر. وقد عمل الخطاطون على انتشارها في مختلف المدن المغربية التاريخية مثل فاس ومراكش والرباط التي تتخذ فيها ملامح العمارة المغربية خصائص خطية ذات أبعاد دلالية، وأخرى جمالية، يتبدى ذلك من خلال الأساليب الخطية الأولى المشابهة للأساليب الأندلسية سواء التي في غرناطة وهي خطوط ملازمة للوقع في البصر، باعتبار الأهمية الخاصة لمجال الرؤية البصرية، الذي بدأ مع ابن رشيق من خلال العمدة، ونما بالموازاة مع توظيف الصورة الجمالية خلال هذه الفترة مع حازم القرطاجني من خلال منهاج البلغاء، والتجسيدات التي طالت مجال الأشكال البديعية مثل التختيم مع أبي البقاء الرندي، والتشجير وغيرها مما برز في القرنين السادس والسابع الهجريين، قد كان لكل ذلك الأثر البليغ في اكتساب الخط المغربي المرئي دلالات بصرية، تقتحم مجال اللاشعور بفضل الرونق والجماليات المتعددة في الحروف والكلمات والجمل. وفي البعد الجمالي الذي يتحدد هو الآخر بالرؤية البصرية. فقد اعتبر النقاد التجليات الجمالية للخط المغربي في العمارة المغربية، الأنموذج الأقوى الدال على روعة وحسن الخط مقارنة بباقي الاستعمالات، بالرغم مما يصدفه المنحى الجمالي من نقدات تتخد سبلا متعددة. لكن هناك دراسات تمنح الجمال الخطي حقه، وتخصص له حيزا دلاليا مهما.

  إن هذا البعد قد حضر بقوة في التجربة المغربية التي تميز كل تجليات الخط المغربي في المعمار المغربي بالخط المغربي المبسوط أو المجوهر أو الثلث المغربي وغيره من الخطوط المغربية التي وسمت العمارة المغربية بدليل خطي مغربي صرف. وتتجلى الاستعمالات اليومية للخط المغربي في النقود والأنسجة وكل وسائل الحياة اليومية. وكلها تتوحد في اتخاذ الشكل الجمالي الأمثل، وكذلك في اشتمالها على العبارات المغربية المختلفة ذات الدلالات الإرشادية أو ذات المرجعيات الروحية والوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى