كتاب الآراء

الهرمنيوطيقا”THE HERMENEUTICS” بين التأويل والتعليل والأسس التقليدية الفلسفية.

الانتفاضة

◙  المصطفى بعدو

◙ تعريف الهرمنيوطيقا”THE HERMENEUTICS” او علم التاويل :

وهو علم يعود أصل اصطلاحه إلى الفعل اليوناني hermeneueien،و يدرس عملية التفسير والتأويل، والتي تتضمن فهم المعاني المختلفة للنصوص والحوارات والثقافات والتاريخ. وبينما يرتكز الهرمنيوطيقا على التأويل، ويعد من أقدم العلوم الإنسانية، حيث يعود تاريخها إلى العصور القديمة في اليونان والشرق الأوسط. وقد تطورت الهرمنيوطيقا خلال العصور الوسطى والنهضة الأوروبية، وأصبحت مرتبطة بالفلسفة والعلوم الإنسانية بشكل عام، وتتناول  أيضًا موضوع الأسلوب، وكيف يمكن تحليل الأسلوب في النصوص، والتعرف على الخصائص الأسلوبية المميزة لكل مؤلف أو حركة أدبية، ويمكن تقسيم علم التاويل او الهرمنيوطيقا إلى نوعين رئيسيين: الهرمنيوطيقا التحليلية والهرمنيوطيقا الوصفية، يعتمد النوع الأول على التحليل الدقيق للنصوص وتحليل مكوناتها المختلفة، بينما يركز النوع الثاني على وصف وتفسير النصوص والتعبيرات والأساليب اللغوية.

بشكل عام، يعتبر الهدف الرئيسي للهرمنيوطيقا هو فهم معاني النصوص وتحليلها بطريقة دقيقة وشاملة، وتحليل العلاقات بين هذه النصوص والثقافات والتاريخ. ومن خلال هذه العملية، يمكن لها أن تساعد في فهم العالم بشكل أفضل، رغم انها أي الهرمنيوطيقا تركز بشكل رئيسي على التأويل والتعليل، فإنها تدرس أيضاً العوامل الثقافية والتاريخية التي يمكن أن تؤثر على التأويل. وعلى سبيل المثال، فإن اللغة والثقافة والتاريخ يمكن أن تؤثر على كيفية فهم النصوص، ويمكن للهرمنيوطيقا أن تساعد في تحديد العوامل هذه وكيفية تأثيرها على التأويل.

يتضمن علم الهرمنيوطيقا أيضاً دراسة الأساليب التي يمكن استخدامها لتحليل النصوص، وهذا يشمل الأساليب النحوية والصرفية والسيميائية والنصية. وتستخدم هذه الأساليب لفهم النصوص وتحليلها من مختلف الزوايا والجوانب.

ويشمل أيضاً دراسة العلاقة بين النصوص والقراء، وكيف يؤثر التأويل الشخصي والتجربة الحياتية للقارئ على فهم النصوص. وبالتالي، يمكن للهرمنيوطيقا أن تساعد في فهم كيفية تفاعل القراء مع النصوص وكيف يؤثر ذلك على معانيها.

كما يمكن أن يساعد أيضاً في فهم العلاقة بين النصوص والثقافة والتاريخ، وكيف يمكن للنصوص أن تعكس الثقافة والتاريخ الذي نشأت فيه. وبالتالي، يمكن للهرمنيوطيقا أن تساعد في فهم العلاقة بين الثقافة والتاريخ واللغة والنصوص،وبشكل عام، يمكن القول بأنه علم يساعد في فهم معاني النصوص وتحليلها بطريقة شاملة ودقيقة..

◙ إشكالية علم الهرمنيوطيقا:

يوجد العديد من الإشكاليات التي تتعلق بعلم الهرمنيوطيقا، والتي تنبع من طبيعة هذا العلم ومن أهدافه ومناهجه. وفيما يلي بعض الإشكاليات الأساسية في علم الهرمنيوطيقا:

– إشكالية التعددية الدلالية: فالنصوص الأدبية والفلسفية والدينية وغيرها تتمتع بتعدد دلالاتها، وهذا يعني أنه يمكن لأكثر من تفسير أن يكون صحيحاً لنفس النص. وهذا يجعل من التحديد الدقيق للمعنى الصحيح للنص أمراً صعباً، ويفتح المجال للخلافات الفلسفية والأدبية والدينية.

– إشكالية التأويل الشخصي: فكل قارئ يأتي إلى النص بتجربة حياتية وثقافية وعقائدية مختلفة، وهذا يؤثر على طريقة فهمه للنص، وبالتالي، فإن التأويل يعتمد بشكل كبير على تجربة القارئ واعتقاداته ومواقفه، وهذا يجعل من التوصل إلى تفسير موحد للنص صعباً.

– إشكالية الاعتماد على اللغة: فاللغة هي وسيلة تعبير بشرية، وتتغير بمرور الزمن وتختلف من ثقافة لأخرى، وهذا يعني أنه يمكن أن يكون للنص معانٍ مختلفة في ظروف زمنية وثقافية مختلفة، وبالتالي، فإن التأويل يعتمد بشكل كبير على اللغة التي تم استخدامها في النص، ويعتبر هذا من الأشكاليات الأساسية في علم الهرمنيوطيقا.

– إشكالية التحكم في النص: فبعض النصوص قد تحتوي على أغراض خفية أو رسائل غير معلنة

◙ الهرمنيوطيقا بين المنهج الواقعي والافتراضي

علم الهرمنيوطيقا يعتبر منهجًا لفهم النصوص، حيث يعمل على فك رموز النصوص وفهم معانيها وتفسيرها. وتتنوع المناهج المتبعة في علم الهرمنيوطيقا بين المنهج الواقعي والافتراضي.

– المنهج الواقعي:
يعتمد المنهج الواقعي على فهم النصوص بطريقة دقيقة وواقعية، حيث يهدف إلى استنباط المعاني والدلالات من خلال النص بنفسه، دون تدخل أي افتراضات أو معلومات سابقة. ويتم ذلك من خلال استخدام أساليب محددة في تحليل النص، مثل تحليل النحو والصرف والمفردات والمواقف والحوارات وغيرها.

– المنهج الافتراضي:
يعتمد المنهج الافتراضي على تدخل الافتراضات والمعلومات السابقة في فهم النص، حيث يفترض المتلقي أن النص يحمل رسالة معينة أو يعبر عن فكرة معينة تنبع من المعلومات السابقة التي يمتلكها. ويتم ذلك من خلال استخدام أساليب محددة في فهم النص، مثل تحليل الخلفيات والتاريخية والثقافية والاجتماعية والدينية وغيرها.

وعلى الرغم من وجود هذا التباين في المناهج المتبعة في علم الهرمنيوطيقا، إلا أن الهدف النهائي من هذا العلم هو تحليل النص بطريقة دقيقة وشاملة لفهمه بشكل كامل وإعطاء المعاني الصحيحة للنص. وبالتالي، فإن علم الهرمنيوطيقا يعتمد على المنهج الواقعي والافتراضي معًا لتحقيق هذا الهدف.

◙ التحديثات الجديدة لعلم الهرمنيوطيقا

علم الهرمنيوطيقا هو علم يتطور باستمرار، وتظهر تحديثات جديدة في العديد من المجالات التي تتعلق به. وفيما يلي بعض التحديثات الجديدة لعلم الهرمنيوطيقا:

– التحول الديجيتالي: يتعلق هذا التحديث بتأثير التكنولوجيا الرقمية على عملية فهم النصوص. فقد أدى تحول الديجيتالي إلى ظهور أساليب جديدة في فهم النصوص، مثل التحليل الإحصائي للنصوص واستخدام الذكاء الاصطناعي في تحليلها.

– الترجمة الآلية: تعد الترجمة الآلية من التحديثات الجديدة في علم الهرمنيوطيقا، حيث تساعد الترجمة الآلية في فهم النصوص المكتوبة بلغات مختلفة وترجمتها إلى لغات أخرى.

– الفهم المشترك: يتعلق هذا التحديث بأهمية التواصل والتفاعل بين القارئ والمؤلف في فهم النصوص، وتشجيع المتلقي على التفاعل مع النص وإيجاد معاني جديدة من خلال الحوار والنقاش.

– النظرية الفاعلية: هي نظرية جديدة في علم الهرمنيوطيقا تركز على دور الفاعلية والعمل في فهم النصوص، حيث يتم تفسير النصوص بالنظر إلى الأفعال التي يقوم بها الشخص في عملية فهم النص.

– علم الأنثروبولوجيا الهرمنيوطيقية: تتعلق هذه التحديثات بتطبيق مفاهيم علم الهرمنيوطيقا في الأنثروبولوجيا، حيث يتم دراسة الثقافات والتقاليد الاجتماعية من خلال تفسير النصوص المرتبطة بها.

◙ علم الهرمنيوطيقا ودلالاته الفلسفية

علم الهرمنيوطيقا يتضمن العديد من الدلالات الفلسفية المهمة، فهو يتعلق بالفهم والتفسير والتأويل، وهذه العمليات لها علاقة مباشرة بالفلسفة. وفيما يلي بعض الدلالات الفلسفية المهمة لعلم الهرمنيوطيقا:

– الفكر النقدي: يعتبر علم الهرمنيوطيقا فرعاً من فروع الفكر النقدي، إذ يتطرق إلى دراسة وتحليل النصوص الفلسفية والأدبية والتاريخية والدينية، وتقدير مدى مصداقيتها ومعناها.

– الفلسفة التحليلية: يتميز علم الهرمنيوطيقا بالتركيز على التحليل الدقيق والتفصيلي للنصوص، وهذا يرتبط بشكل كبير بالفلسفة التحليلية التي تهتم بتحليل الأفكار والمفاهيم.

– الديالكتيك: يستخدم علم الهرمنيوطيقا في العملية التفسيرية الديالكتيك، حيث يتم استنباط المعاني الجديدة من النص عن طريق الحوار والنقاش والتفاعل بين القارئ والنص.

– البناء المعرفي: يرتبط علم الهرمنيوطيقا بشكل كبير بالبناء المعرفي، إذ يتطرق إلى عملية بناء المعرفة والتفكير والتعلم، ويساعد في فهم كيفية تكوين المعرفة واستخدامها في عملية التفسير والتأويل.

– النظرية النقدية: يستخدم علم الهرمنيوطيقا النظرية النقدية في تحليل النصوص والتعامل معها، حيث يتم استخدام المفاهيم النقدية في تقييم وتحليل النصوص واستنباط المعاني الجديدة منها.

– الفلسفة اللغوية: تركز على دراسة اللغة والكلام، وكيفية تأثيرهما في الواقع والمعرفة، وهي تمثل جانبًا مهمًا من علم الهرمنيوطيقا. فعلم الهرمنيوطيقا يستخدم اللغة كوسيلة للتفسير والتأويل، ويستند على الفهم اللغوي للنص لفهم معناه وتفسيره، وفي مجملها ترتكز على عدة اسس ومفاهيم لغوية ودلالية تستخمها  في تكوين وبناء النص، ومن ذلك:

– السياق: يركز العلم اللغوي في الهرمنيوطيقا على السياق الذي يستخدم فيه النص، وكيف يؤثر السياق على معنى النص.

– الدلالة: تتعلق هذه المفهومة بدراسة الدلالة في اللغة، وكيفية استخدامها في النصوص، وكيفية فهمها وتفسيرها.

– الحوار: يستخدم علم الهرمنيوطيقا الحوار كوسيلة للتفسير والتأويل، ويتطلب الحوار فهم اللغة والتواصل بين الأطراف المشاركة في الحوار.

– النحو: تعتبر النحوية من المفاهيم الأساسية في الفلسفة اللغوية في علم الهرمنيوطيقا، حيث تركز على دراسة بنية اللغة وتأثيرها على الفهم والتفسير.

– الثقافة: تعتبر الثقافة عاملاً مهماً في فهم وتفسير النصوص، وتعد الفلسفة اللغوية من الجوانب الرئ

◙ الهرمنيوطيقا وعلاقتها بالتفسير الديني

يمثل علم الهرمنيوطيقا أساسًا هامًا في التفسير الديني، فهو يساعد على فهم وتفسير النصوص الدينية المقدسة بطريقة صحيحة ودقيقة،فعلم الهرمنيوطيقا يركز على دراسة عملية التفسير والتأويل، ويعتمد على المنهج النقدي في فهم وتفسير النصوص، مما يساعد على تحليل النصوص الدينية بطريقة منطقية وعميقة، ويمكن تلخيص العلاقة بين الهرمنيوطيقا والتفسير الديني في النقاط التالية:

– فهم اللغة: يتطلب فهم النصوص الدينية فهم اللغة المستخدمة فيها، والتي تعتبر وسيلة أساسية للتواصل مع الله وتلقي الرسالة الدينية.

– فهم الثقافة: تعد الثقافة والسياق الثقافي مهمين في فهم النصوص الدينية، ويمكن استخدام علم الهرمنيوطيقا لتفسير الثقافة والسياق الثقافي المرتبط بالنص الديني.

– الدلالة: تشكل الدلالة جزءًا هامًا من فهم النص الديني، ويمكن استخدام علم الهرمنيوطيقا لفهم الدلالات المختلفة في النص الديني وتفسيرها بشكل صحيح.

– الحوار: يعتبر الحوار بين الأفراد المشاركين في التفسير الديني جزءًا أساسيًا من فهم النص الديني، ويمكن استخدام علم الهرمنيوطيقا لتحليل هذا الحوار وتفسيره.

– التاريخ: تمر النصوص الدينية بعملية تطور تاريخي، ويمكن استخدام علم الهرمنيوطيقا لفهم هذا التطور التاريخي وتفسير النص الديني بشكل صحيح.

وفي مجمل الاحوال، يمثل علم التاويل أو التفسير “الهرمنيوطيقا THE HARMENEUTICS” عملية علمية فلسفية، تنبني وتنرتكز على دراسة عملية التفسير والتأويل بالدرجة الشمولية والعامة،  وعلى المنهج النقدي في فهم وتفسير النصوص، مما يساعد على تحليل النصوص بطريقة منطقية وعميقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى