النقابة المستقلة للممرضين تدعو في بلاغ لها الوزارة الوصية إلى مقاربة تشاركية من اجل المساهمة بقوة في إيجاد الحلول اللازمة لمشاكل قطاع الصحة

لم يتوانَ الممرضون المغاربة منذ فجر الاستقلال عن الاستجابة لنداء الإنسانية والضمير والوطن كلما دعت الضرورة لذلك، فهم من جابهوا الأوبئة والامراض الفتاكة بتفان ونكران للذات رغم الإكراهات والصعاب والتحديات، غير آبهين بضريبة الكفاح في سبيل الأمن الصحي للوطن على مدى فترات من تاريخ وحاضر البلاد وبإمكانيات محدودة وظروف صعبة،وكان ثمن ذلك حياة الكثير من الشهداء…
إن جائحة “كورونا” ليست سوى نموذجا حيا لما سبق هزيمته من أوبئة فتاكة وشديدة الضراوة، وممرض اليوم بدوره امتداد لتلك الأجيال وتضحياته استمرار لتضحيات متواصلة لعقود من الزمن. والمؤسف أن وزارة الصحة تستمر في نهجها سياسات الإقصاء والتهميش والإصرار على نكران الجميل وجحود البطولات التي جسدها الممرضون المغاربة في ظل واقع مزر ومرير يتسم بقلة العنصر البشري وضعف الإمكانات المادية واللوجيستيكية المستمر إلى اليوم رغم تعاقب السياسات والمخططات والتصورات التي يتبناها وينفذها من تعاقب على الوزارة من وزراء ومسؤولين غير أكفاء…
إن تدخل وزارة الداخلية وانخراطها في محاورة الفرقاء الاجتماعيين دليل على قصور وزارة الصحة وقصر رؤيتها في تدبير هذه المرحلة الحرجة التي تمر منها البلاد فعجزت عن حل مشاكلها ومحاورة مهنييها والإنصات إلى همومهم وانشغالاتهم.
إننا في النقابة المستقلة للممرضين ندعو الوزارة الوصية إلى تبني فضيلة الحوار ونهج مقاربة تشاركية تمكننا كفاعلين اجتماعيين من المساهمة بقوة في إيجاد الحلول اللازمة لمجمل المشاكل التي يعاني منها قطاع الصحة، خصوصاً تلكالمتعلقة بجائحة كورونا سيما ما يتعلق بعملية التلقيح لما تكتسيه من أهمية قصوى لإنقاذ الكثير من الأرواح والمساهمة في تنسيق الجهود وتفادي الاحتراق الوظيفي والانهيار النفسي للأطر التمريضية. أطر تبين بالملموس أن لا أحد يمكن أن يقوم مقامهاأو يضاهي كفاءتها، ولعل الاحصائيات اليومية خير دليل على ذلك مقارنة ببلدان الجوار والعالم أجمع ورغم التحفيز المستمر والمشرف لأطر تلك البلدان وتحقير أطر بلادنا وتبخيس مجهوداتهم والإجهاز على حقوقهم )حق العطلة السنوية والتعويض عن ساعات العمل الإضافية والتعويضات المختلفة فضلا عن وجبات عنوانها سوء التغذية.(… إن كل المؤشراتتؤكدأنه رغم الظروف الصعبة وندرة الموارد وقلة الإمكانياتفعطاء هذه الفئةببلادنا كبير لدرجة ان ما قدمته في حملة التلقيح يفوق بأضعاف ما قدمه الممرضون في دول الجوار وفي بعض الدول الأوربية، ونتيجة لذلكفهم يستحقونكل التنويه والدعم وهو ما جاء على لسان ملك البلاد في عدة مناسبات.ويكفي في هذا السياق التذكير بعدد الممرضين وتقنيي الصحة بالمغرب مقارنة بدول الجوار (الجزائر أكثر من 60000 ألف ممرض، وتونس أكثر من 34000ألفممرض، وفرنسا ما يفوق 500000 ألف ممرض).وفي حين نجدأن كثيرا من هذه الدولقامت بالاعتراف ماديا ومعنويابشكل يليق بتضحيات الممرضين وتقنيي الصحة لم تجد وزارة الصحة ببلادنا حرجا في تقديم تعويض مهين أرفقته بهالة إعلامية هدفها إيهام المواطنين بحصول موظفي القطاع على تعويضات ضخمة نظير تضحياتهم الجسام.
الأكيد أن الممرضين وتقنيي الصحةبالمغرب على غرار باقي الاطر الصحية وطنيا ودوليا تعاني من مضاعفات أزمة كوفيد والتي ستستمر لا محالة. حيت أكدت إحدى الدراسات الأوربيةأن28 % من الممرضين والأطباء يعانون من اكتئاب حاد. ووفق منظمة الصحة العالمية فإن نسبة معدلات الاكتئاب تصلل 50% لدى هذه الفئة، إضافة إلىظهور حالاتالارق والقلق والإرهاقلديها. هي أرقام مخيفة في ظروف عمل أحسن حالا بأنظمة صحية متقدمة فكيف بالأحرىفي نظام صحي مغربي كانفي الأصل هشا قبل ظهور كورونا، مما يعني تضاعف المعاناة واستمرار الاستنزاف في معركة ستطول،ما يقتضي من المسؤولين عن تدبير القطاع التركيز على العامل البشري خاصة فئة الصف الأمامي.
في نفس السياق،أشارالاتحاد الدولي للتمريض لوفاة أكثر من 3000 ممرض واصابة عشرات الآلافبالوباء؛ وهو ما ينطبق على الوضع بالمغرب حيت فقدت أسرة الممرضين وتقنيي الصحة العشرات وأصيب عدد أكبر بكثير بمضاعفاتخطيرة حيثتجاوز عدد الاصابات 6000إصابة في الموجة الأولى والثانية أي بنسبة 20% من الكثافة التمريضية بالمغرب، كما أن العدد مرشح للازدياد أكثر في ظل الموجة الثالثة الحالية مما ينذر بكارثة فقدان القوة العلاجية التمريضية بالمغرب وهو تهديد للأمن السيادي الصحي.
إن النقابة المستقلة للممرضين تعي جيداً الظرفية الحرجة التي تمر منها البلاد، على غرار دول العالم كافة، لكن طول المعركة وصعوبة التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع يجعل من الحفاظ على العنصر البشري وإعطاءه المكانة التي يستحق من أولى الأولويات على اعتبار أن العنصر البشري في صلب المعركة الحالية والضامنلتجاوز هذه المرحلة الاستثنائيةبسلام.
إن الضمير الإنساني يفرض علينا الكفاح ضد الجائحة في الوقت الذي يتوجب علينا الاحتجاج والتصدي للإجهاز المستمر على المكتسبات والحقوق، متفائلين بزوال كابوس هذه الجائحة سريعا، غير أن الأكيد أن نتائج كارثية مرتقبة بالقطاع على المدى القريب والمتوسطتلوح في الأفقبسبب استنزاف الموارد البشريةولعل بعض تمظهراتها أن كثيرا من خيرة الأطر بدأت مسبقا الاستعداد للإلتحاق بأنظمة صحية أجنبية تصون كرامة الأطر التمريضية وتحفزها على الاشتغال والعطاءبينما اختار آخرون وضع استقالاتهمأو تقديم طلبات التقاعد النسبي….
من جهة أخرى يبعث الخصاص المهول في الأطر التمريضية بمستشفياتنا العمومية في هذه الفترة الحرجة على الاستغراب بينما يتواجد الآلاف منخيرة الأطر في دهاليز البطالة،رغم أنهم مكونون على أعلى المستويات في معاهد الدولة بإشراف مباشر من وزارة الصحة، وبدل توظيف هؤلاء كإجراء استعجالي، يتم الضغط على طلبة المعاهد العليا لمهن التمريض وتقنيات الصحة للزج بهم في مواجهة عدو لا قبل لهم به ولا حماية لهم ولا تعويض.
كما أن مزايدة البعض على الممرضين المغاربة في وطينتهم والانتقاص من كفاءتهم وتضحياتهم لمجرد مطالبتهم بظروف اشتغال ملائمة تحترم آدميتهم وتحفيزات تراعي حجم التضحيات كما هو الحال لنظرائهم الأجانب سواء في دول الجوار أو دول الغرب لشيء يدعو للغضب والاستغراب.


