كتاب الآراء

الشعب يريد، صلاة التراويح

الانتفاضة

بقلم : محمد السعيد مازغ

كل يوم، تأتينا الأخبار بأن الأمن والسلطات المحلية اعتقلت أشخاصا لم يحترموا الحجر الصحي المفروض ليلا في رمضان، كما تصلنا أصداء أطفال وشباب خرجوا ليلا للاحتجاج على عدم السماح لهم بإقامة صلاة التراويح جماعة في المساجد، في اعتقادي المتواضع، لو طالبوا بالسماح بصلاة العشاء والصبح جماعة في المسجد، لكانت الرسالة واضحة ومفهومة، لأن هذه الصلوات مفروضة، وصلاتها في الجماعة وفي المسجد أفضل من صلاتها في البيت بسبع وعشرين درجة، بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الجماعة في المسجد إلا لعذر، مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر. رواه ابن ماجه.

هذا بالنسبة للصلوات المفروضة، أما صلاة التراويح فيمكن أداؤها في البيت، باعتبارها سنة، وأيضا باعتبار الظرفية الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وهي فرصة لتجميع أفراد الأسرة صغارا وكبارا وحثهم على الصلاة، أقول هذا لأننا نعيش ظرفية خاصة.  وما دام هناك عذر، أي حسب البلاغات الرسمية، هناك إحصائيات وخطر الإصابات وارد بقوة، وكل المؤشرات تؤكد أننا ليس في منأى عن الخطر،  فلا مجال للدخول في أسئلة واستفهامات لا نتوفر فيها كمواطنين عاديين غير متخصصين في مجال الصحة على أجوبة دقيقة، وبمعنى آخر : ـ هل المنع مبني على عذر حقيقي، أم مجرد مخاوف وأوهام أم هو إجراء يدخل في إطار الاحتياطات التي ينبغي أن تتخذ حفاظا على سلامة المواطن !؟، وأبعد من ذلك، هل هو إملاءات منظمة الصحة العالمية وتحذير منها لغايات ما، كل هذه التساؤلات تبقى مجرد استفهامات لا تجد لها جوابا، في غياب معطيات دقيقة، وناطق رسمي حكومي يمتلك آليات الاقناع ويتوفر على المصداقية ويحظى بثقة الجميع، أو على الأقل صوته مسموع، وله وقع في النفوس.

هذا الدور يمكن أن تلعبه تلفزاتنا الموقرة، لولا أنها مهووسة بالأفلام التركية، وبرامج التفاهة وبدلا من استدعاء اختصاصيين وخبراء وعلماء وأساتذة وأطباء، ويتسع صدرها للرأي والرأي الآخر، دون حرج، ولا توجيهات من أية جهة، حتى يكون المواطن على وعي تام بما يجري، وتتولد له قناعة بأن الالتزام بالحجر الصحي هو واجب وطني، وليس مجرد تظلم حكومي، وقمع للحريات، وضرب لمصالح عدد من المواطنين، أصحاب المقاهي والمطاعم، ولا أريد أن يجرني الحديث عن قطاع واسع متضرر من الجائحة، وفي مقدمتهم الصناع التقليديون، أصحاب البازارات، سيارات النقل السياحي، كراء السيارات، وكالات الأسفار، وغيرها من القطاعات المتضررة والمتوقفة عن العمل لأزيد من سنة.

أعود لأقول أن احتجاجات المواطنين، وتفسيرهم للمنع، وردود أفعالهم  له ما يبرره، فقد تخلت العديد من المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية والسياسية والنقابية عن دورها الريادي في تحصين المواطن وتقوية قدراته الفكرية حتى لا يكون ضحية الإشاعة ، وقنوات التواصل الاجتماعي والخرافة، والجهات المضللة والحاقدة على استقرار الشعب المغربي وتماسكه، وما يتميز به من تكافل اجتماعي، وتآزر ووطنية، كما أن بعض التفسيرات تزيغ عن الحقيقة، وتستصغر النداءات المطالبة بالتفكير في الحلول والبدائل، لأن للصبر حدود، وإذا تكلم الجوع، فلن تسكته أنغام الموسيقى، ولا نرضى لوطننا أن يصاب بالسكتة القلبية.

بعض الجهات لم يعد يهمها صدى الاحتجاجات والوقفات، فيحلو لها دائما أن تفسر الأحداث بأنها مجرد طيش طفولي أو شباب جاهل منغلق عن نفسه، لا أهمية لحركته واحتجاجه ولا وقع له، ولكن إذا ما تأملنا جيدا في واقعنا اليومي، في معاناة المواطنين، في اليأس والإحباط الذي يقودهم إلى الإدمان، إلى الانحراف إلى العزوف عن السياسة ، إلى الارتماء في أحضان التفاهة والميوعة وتتبع أخبار الاجرام والاغتصاب وعورات الناس والتلدذ بها ، وإلى الانتقام من الذات ومن المجتمع، في الأفق المظلم الذي تتولد عنه انفصام الشخصية، الانهزامية، التوكل على الغير، الحقد الحسد الضغينة، كلها هذه الخيوط بمثابة فتيل النار، أو مثل البركان الخامد الذي على الجهات المعنية أن تنكب على علاجه قبل فوات الأوان، فالمقاربات الأمنية وحدها لا يمكن أن تحل المعضلات المجتمعية، والمجالس المنتخبة تأكد فشلها في بناء مجتمع سليم، بعد أن نخرها الفساد، واستولى على مقاعدها عدد من الوصوليين والمرتزقة وتجار السياسة، فهم زرعو عدم الثقة في الخطابات الرسمية، وفي الإجراءات وحتى في الوعود بالإصلاحات المستقبلية.

ختاما، فلا مجال اليوم للسياسات التي تسمح لقنوات الصرف الصحي بأن تعمق فينا الجهل، وتسمم عقولنا بالمعلومات الخاطئة ، والإشاعات المغرضة، وتدفع بنا نحو الفتنة وعدم الاستقرار، وأيضا لم يعد هناك مجال للسياسات التي تستنزف ميزانيات الدولة وتساعد المسؤولين والموظفين الحكوميين على الاغتناء غير المشروع والإثراء بدون سبب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى