كتاب الآراء

التحديات التي تواجه العملية التعليمية للتلاميذ المصابين بالتوحد في المدارس المغربية ودور “الهندسة المنهجية” في تطوير برامج تدريسية متكاملة.

الانتفاضة

المصطفى بعدو

بمناسبة اليوم العالمي للتوحد الذي يصادف الـ2 أبريل من كل عام، وعلى ضوء الندوة العلمية التي عقدت اليوم الـ26 ابريل الجاري بمدينة تطوان، حول موضوع “التوحد، اضطراب العصر، تعريفه من التشخيص إلى السبل الكفيلة بالتدخل”، والذي حج اليها مجموعة من الخبراء العرب والمغاربة أطباءا ومختصين، كان لابد من فك شيفرة مجموعة من النقط الاساسية حول هذا الموضوع الذي يثير الرأي العام ويسبب الكثير من الألام و السهاد للاباء والامهات وللمجتمع ككل.

◙تعريف التوحد والتشخيص وسبل العلاج:

لذلك، فالتوحد هو اضطراب التطور العصبي الذي يؤثر على القدرة على التواصل الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي والسلوكيات المتكررة والمحدودة والاهتمامات الضيقة، يتم تشخيص التوحد عادة في سن مبكرة بين 2-3 سنوات، ولكنه يمكن أن يظهر في أي عمر، ويشمل التشخيص عدة مجالات مثل الاتصال اللفظي والغير لفظي، السلوك الاجتماعي، التفاعل الاجتماعي، والاهتمامات والأنشطة.

 لكن على العموم،ينصح بالتدخل المبكر والمتكامل، من اجل رؤية استباقية كفيلة بتعزيز وتقوية الادراكات الحسية والمعرفية والترابط العقلي والجسماني، والتي في مجموعها اليات تختلف فيما بينها حسب متطلبات واحتياجات الطفل التوحدي، والتي تتقاسم كلها نفس الروابط ،كتدريب الأطفال على المهارات الاجتماعية والتواصل والسلوكيات السليمة، وتعزيز الاتصال والتفاعل الاجتماعي بين الطفل وأفراد عائلته ومجتمعه، وتوفير بيئة محفزة وملائمة لتطوير قدرات الطفل وتعزيز التواصل الاجتماعي،كما ينصح بإدخال السلوكي المعرفي ” Cognitive Behavioral Therapy CBT”في البرامج التعليمية الخاصة بالأطفال المصابين بالتوحد، من أجل تعزيز وتطوير مهاراتهم الاجتماعية وتحسين سلوكياتهم، ويمكن أن يشمل التدخل أيضًا العلاج الدوائي”Pharmacological Therapies “إذا اقتضت الحالة ذلك، وتشير الدراسات إلى أن التدخل المبكر والمتكامل يمكن أن يحسن النتائج لدى الأطفال المصابين بالتوحد.

 

◙ المستجدات العلمية حول التوحد والتدخل العلاجي لهذا الاضطراب، ومن بين هذه المستجدات:

1- الوراثة والتوحد: تشير الدراسات الحديثة إلى أن الوراثة تلعب دورًا كبيرًا في تطور التوحد،ويتم دراسة الجينات المسؤولة عن هذا الاضطراب لفهم كيفية تطور التوحد وتحديد العوامل المساعدة في حدوثه.

2- التشخيص المبكر: يتم العمل على تحسين التشخيص المبكر للتوحد، حيث يمكن تحديد الأعراض في سن مبكرة والتدخل بشكل فعال لتحسين النتائج لدى الأطفال المصابين بالتوحد.

3- تطور العلاج الدوائي: تجري العديد من الدراسات لفهم كيفية تطور العلاج الدوائي للتوحد، ومن بين هذه العلاجات هي الأدوية المضادة للاكتئاب والأدوية المهدئة والأدوية المضادة للاضطرابات.

4- العلاج السلوكي والعلاج النفسي: يتم العمل على تحسين العلاج السلوكي والعلاج النفسي للتوحد، حيث يتم تطوير تقنيات جديدة لتحسين المهارات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي وتحسين الأنشطة اليومية لدى الأطفال المصابين بالتوحد.

5- تقنيات المساعدة: تساعد التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق على تحسين التشخيص والتدخل العلاجي للتوحد.

6- تأثير COVID-19 على الأطفال المصابين بالتوحد: يجري العديد من الدراسات لفهم تأثير جائحة COVID-19 على الأطفال المصابين بالتوحد والتدخل العلاجي اللازم لهم.

حيث يرى الخبراء ان تشخيص حالات التوحد من اصعب الامور واكثرها تعقيدا خاصة في الدول العربية ،نظرا لقلة المراكز التأهيليةوالاختصاصيين والمؤهلين لتشخيص طيف التوحد بطرق علمية ، مما يؤدي للوقوع في أخطاء التشخيص الذي يؤثر على عملية العلاج باكملها، نهيك ان من بين الأسباب التي تؤثر بشكل كبير على العملية ايظا هي تجاهل علاج التوحد في المراحل المبكرة من حياة الطفل مما يؤدي إلى تأخر في البدء في العلاج وبالتالي تفاقم الأعراض،لذلك، ينصح الخبراء بتوفير المزيد من المراكز التأهيلية المتخصصة في مجال تشخيص طيف التوحد وتدريب الأطباء والمتختصين والعاملين في مجال التأهيل على التعرف على علامات التوحد وتشخيصها بشكل صحيح، ويتم العمل على تطوير أدوات تقييم جديدة وأكثر دقة لتشخيص طيف التوحد، بما في ذلك استخدام التقنيات الحديثة مثل التعلم العميق والذكاء الاصطناعي.

بالإضافة إلى ذلك، يتم العمل على تعزيز الوعي بالتوحد وعلاجه، وتوفير المزيد من الدورات التدريبية وورش العمل للعاملين في مجال التأهيل والتعليم والصحة والمجتمع بشكل عام، حيث يمكن توفير المزيد من الموارد والدعم اللازم للأسر التي تعاني من تحديات التوحد، وتعزيز التعاون بين الأسر والمختصين والمجتمع لتحسين نوعية الحياة للأشخاص المصابين بطيف التوحد.

◙ المقاربات العلاجية والتدخلات الممكنة لعلاج طيف التوحد، وتتضمن بعضها:

التدخل السلوكي التطوري Development Behavioral Intervention (ABA): وهي إستراتيجية علاجية تركز على تغيير سلوك الطفل من خلال تعزيز السلوكيات الإيجابية وتقليل السلوكيات السلبية.

العلاج الوظيفي السلوكي (OFT)Occpational Bahavioral Therapy: وهي علاج يهدف إلى تطوير مهارات الحركة والتنسيق والتواصل لدى الأطفال المصابين بطيف التوحد.

العلاج اللغوي الشامل (SLT) Comprehensive Language Therapy: وهو علاج يركز على تحسين قدرة الطفل على التواصل وفهم اللغة المنطوقة والغير منطوقة.

التدخل الصديق للأسرة (FFT)Family Friendly Intervention: وهو تدخل علاجي يهدف إلى تحسين التواصل والعلاقات الأسرية ودعم الأسرة في تعلم كيفية التعامل مع طفلها المصاب بطيف التوحد.

التدخل الحسي (Sensory Integration Therapy): وهو تدخل علاجي يركز على تحسين قدرة الطفل على التعامل مع الحواس الحسية المختلفة وتنظيم المعاني الحسية لديه.

العلاج الدوائي Pharmaco Tharapy: يتم استخدام بعض الأدوية لعلاج الأعراض الجانبية لطيف التوحد مثل القلق والاضطرابات النوم والتهيج.

العلاج بالتقنيات الحديثة Treatment with Modern Technologies: مثل استخدام التعلم الآلي والواقع الافتراضي لتحسين قدرة الطفل على التواصل وتنمية مهارات اجتماعية.

لكن على العموم ، من المهم مناقشة هذه المقاربات العلاجية مع المختصين واختيار الخيار الأفضل والأكثر فعالية لطفل معين مصاب بطيف التوحد، ويجب أيضًا العمل على توفير الدعم والمساعدة والمساندة الاسرية.

◙ صعوبة فك تشفير مشاعر الاخرين بشكل صحيح:

حيث يعاني الاطفال المصابون بالتوحيد من صعوبة فك تشفير مشاعر الاخرين بشكل صحيح،فوفقًا للعديد من الدراسات العلمية، يعاني الأطفال المصابون بالتوحد من صعوبة في فهم مشاعر الآخرين بشكل صحيح، قد تكون هذه الصعوبة نتيجة لعدة عوامل، منها:

1- صعوبة في التعرف على ملامح الوجه: يعتمد الكثير منا على الاستنتاجات الأولية التي نجدها في مامح الوجه للتعرف على مشاعر الآخرين، ولكن الأطفال المصابون بالتوحد يمكن أن يواجهوا صعوبة في قراءة التعابير الوجهية.

2- صعوبة في التفاعل الاجتماعي: قد يكون الطفل المصاب بالتوحد يفتقر إلى المهارات الاجتماعية الأساسية، مثل تبادل الابتسامات أو التفاعل اللفظي والجسدي مع الآخرين، وهذا يمكن أن يؤثر على قدرته على فهم المشاعر والنوايا.

3- صعوبة في فهم اللغة الجسدية: يمكن أن يفتقد الأطفال المصابون بالتوحد القدرة على فهم الإشارات الجسدية التي يستخدمها الآخرون للتعبير عن مشاعرهم، مثل حركات اليدين أو الوقوف بشكل معين أو حركات الجسم الأخرى.

4- التركيز على الأشياء بشكل محدود: قد يكون الطفل المصاب بالتوحد يشعر بالانشغال بشكل كبير بعدد قليل من الأشياء والموضوعات المحددة، مما يمكن أن يؤثر على قدرته على فهم مشاعر الآخرين.

ومن المهم أن يعمل المتخصصون في تقييم الأطفال المصابين بالتوحد على فحص قدراتهم على فهم المشاعر والنوايا وتوفير العلاج والدعم اللازم لتحسين هذه القدرات.

◙ وجود مجموعة من النظريات التي تهدف إلى تفسير هذه الصعوبة:

وجود نظريات تعنى بفهم العواطف والمشاعر لدى الأشخاص، وكيفية التعامل معها بشكل صحيح. فعندما يتعلق الأمر بالأطفال المصابين بالتوحد، فإن فهمهم للمشاعر يعد أمرًا صعبًا ويتطلب مجهودًا إضافيًا، ولذلك توجد عدة نظريات تهدف إلى تفسير هذه الصعوبة ومساعدة الأطفال على فهم المشاعر بشكل أفضل.

من بين هذه النظريات نجد نظرية “المنهج البيولوجي الانطباعي” (Affective Neuroscience Theory) التي تنص على أن العواطف تتعلق بالمنطقة الأمامية القشرية في الدماغ والتي تقوم بمعالجة المعلومات الحسية والاجتماعية. وتنص هذه النظرية أيضًا على أن العواطف تتعلق بنشاط الأنظمة العصبية المختلفة في الجهاز العصبي المركزي.

وهناك نظرية أخرى تدعى “نظرية المنظور التعلمي” (Social Learning Theory) التي تشير إلى أن الأطفال يتعلمون السلوك الاجتماعي والتفاعلات الاجتماعية من خلال التفاعل مع الآخرين ومن خلال المحفزات الاجتماعية الموجودة في البيئة المحيطة بهم.

وتعتبر هذه النظريات مفيدة جداً لفهم صعوبة فهم العواطف والمشاعر لدى الأطفال المصابين بالتوحد، وتساعد في تطوير البرامج العلاجية والتدريبية المصممة لمساعدة هؤلاء الأطفال على تحسين قدراتهم في التعامل مع العواطف والمشاعر.

 وتعتبر ايظا نظرية الذكاءات المتعددة multiple intelligences للعالم هوارد غاردنر، والتي تقول إن الذكاء ليس مجرد قدرة على حل المسائل الرياضية أو استذكار الحقائق، وإنما هو مجموعة من القدرات المتعددة والمتنوعة التي يمتلكها الإنسان، وتتضمن هذه القدرات اللغوية، والرياضية، والمنطقية، والموسيقية، والحركية، والتفاعلية، والبصرية-المكانية، والطبيعية.

ويعتبر تطبيقها في تعليم الأطفال المصابين بالتوحد أمرًا مهمًا، حيث يمكن استخدام مجموعة متنوعة من الوسائل التعليمية لتلبية احتياجات الطفل في كل منطقة من مناطق الذكاءات المختلفة. على سبيل المثال، يمكن استخدام الأنشطة الحركية لتحفيز الذكاء الحركي، واستخدام الألعاب الموسيقية لتحفيز الذكاء الموسيقي، واستخدام القصص والألعاب اللغوية لتحفيز الذكاء اللغوي.

وبالتالي، فهي تساعد في تعليم الأطفال المصابين بالتوحد على توفير بيئة تعليمية شاملة تستجيب لاحتياجاتهم المتنوعة وتساعدهم على تنمية قدراتهم المختلفة.

◙ الهندسة المنهجية (Systematic Engineering) ودورها في دمج التوحد في المدارس المغربية:

 وتتضمن الهندسة المنهجية (Systematic Engineering) العديد من الخطوات والمراحل التي تهدف إلى تحليل وتصميم وتطوير نظام أو منتج أو عملية معينة بشكل منهجي ودقيق. وفي سياق دمج التوحد في المدارس المغربية، يمكن استخدام الهندسة المنهجية لتحليل وتصميم وتطوير العملية التعليمية لتتناسب مع احتياجات الأطفال المصابين بالتوحد.

ويمكن استخدامها في العملية التعليمية من خلال تحليل احتياجات الأطفال المصابين بالتوحد، وتصميم برامج تعليمية متخصصة تلبي احتياجاتهم المعرفية والاجتماعية والسلوكية. كما يمكن استخدام الهندسة المنهجية في تصميم وتحليل وتطوير برامج تدريبية للمعلمين والأهل والمهتمين بتعليم الأطفال المصابين بالتوحد.

وتتضمن الخطوات الرئيسية للهندسة المنهجية التحليل والتصميم والتطوير والتقييم. وباستخدام هذه الخطوات يمكن تحليل العملية التعليمية الحالية وتصميم برامج وحلول ملائمة للأطفال المصابين بالتوحد، ثم تطوير هذه البرامج وتقييمها للتأكد من فعاليتها وملائمتها لاحتياجات الأطفال.

وبذلك، فهي قد تسهل وتساعد  على ادماج التوحد في المدارس المغربية بشكل ناجح وفعال، من خلال تحليل وتصميم وتطوير برامج تعليمية وتدريبية متخصصة لتلبية احتياجات الأطفال المصابين بالتوحد وتحسين عملية التعليم والتدريب للمعلمين والأهل والمهتمين.

◙ باختصار:

فإن التوحد يعتبر اضطرابًا في التطور يؤثر على التفاعل الاجتماعي والاتصال والتفكير والسلوك. ومن المهم فهم أن طيف التوحد يتضمن عدة مستويات وأنماط مختلفة وأن العلاج يجب أن يكون متعدد التخصصات وفريق العمل يجب أن يتضمن مختصين في عدة مجالات.

تحديد التشخيص بدقة هو الخطوة الأولى في عملية العلاج، وعلى الرغم من أنه يمكن أن يكون تحديًا في الدول العربية بسبب قلة المراكز التأهيلية والاختصاصيين المؤهلين، إلا أنه يجب التركيز على تدريب المتخصصين في هذا المجال وتوفير الموارد اللازمة لهم.

ومن أجل دمج الأطفال ذوي التوحد في المدارس، يجب أن تكون هناك مقاربة تربوية مختلفة واعتماد نهج الهندسة المنهجية لتصميم بيئات التعلم المناسبة وإعداد المعلمين والمدربين الذين يمكنهم توفير الدعم والمساعدة اللازمة للأطفال ذوي التوحد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى